للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: يَكْفِي مِنْ هَذَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: ٣٢] فَقَدْ وَعَدَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِالْغِنَى، وَأَخْبَرَ أَنَّ الْفَقْرَ وَالْغِنَى جَائِزَانِ عَلَى الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ بِالْفَقْرِ إلَّا مَنْ يَمْلِكُ فَيَعْدَمُ مَرَّةً وَيَسْتَغْنِي أُخْرَى، وَأَمَّا مَنْ لَا يَمْلِكُ أَصْلًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ بِفَقْرٍ وَلَا بِغِنًى، كَالْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالسِّبَاعِ، وَالْجَمَادَاتِ، وَهَذَا وَاضِحٌ - وَالْقُرْآنُ، وَالسُّنَنُ فِي أَكْثَرِ عُهُودِهِمَا شَاهِدُ كُلِّ ذَلِكَ بِصِحَّةِ قَوْلِنَا هَهُنَا، إذْ لَمْ يَأْتِ فَرْقٌ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَوَامِرِ بِالْفَرْقِ فِي الْأَمْوَالِ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُجِيبُ دَعْوَةَ الْمَمْلُوكِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لِمَالِهِ لَمْ يُجِبْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَعْوَتَهُ، وَقَدْ قَبِلَ هَدِيَّةَ سَلْمَانَ وَهُوَ مَمْلُوكٌ وَأَكَلَهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: كَمَا أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فَرَّاسٍ نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ النَّيْسَابُورِيُّ نا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ أَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ نا ابْنُ إدْرِيسَ - هُوَ عَبْدُ اللَّهِ - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ مِنْ فِيهِ قَالَ: كُنْت مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ وَاجْتَهَدْت فِي الْمَجُوسِيَّةِ - ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ - وَأَنَّهُ عَامَلَ رَكْبًا مِنْ كَلْبٍ عَلَى أَنْ يَحْمِلُوهُ إلَى أَرْضِهِمْ، قَالَ: فَظَلَمُونِي فَبَاعُونِي عَبْدًا مِنْ رَجُلٍ يَهُودِيٍّ، ثُمَّ بَاعَهُ ذَلِكَ الْيَهُودِيُّ مِنْ يَهُودِيٍّ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ قُدُومَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ، قَالَ: فَلَمَّا أَمْسَيْتُ جَمَعْتُ مَا كَانَ عِنْدِي ثُمَّ خَرَجْتُ حَتَّى جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ بِقِبَا وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقُلْتُ: كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ وَضَعْتُهُ لِلصَّدَقَةِ، رَأَيْتُكُمْ أَحَقَّ النَّاسِ بِهِ فَجِئْتُكُمْ بِهِ، فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: كُلُوا، وَأَمْسَكَ هُوَ - ثُمَّ تَحَوَّلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَى الْمَدِينَةِ، فَجَمَعْتُ شَيْئًا، ثُمَّ جِئْتُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: رَأَيْتُكَ لَا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، وَكَانَ عِنْدِي شَيْءٌ أُحِبُّ أَنْ أُكْرِمَكَ بِهِ هَدِيَّةً؟ فَأَكَلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، ثُمَّ أَسْلَمْتُ ثُمَّ شَغَلَنِي الرِّقُّ حَتَّى فَاتَنِي بَدْرٌ، ثُمَّ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَاتِبْ» ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ -: فَقَدْ أَجَازَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَدَقَةَ الْعَبْدِ، وَهَدِيَّتَهُ، وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>