للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّهُ إنْ تَرَكَ الْإِشْهَادَ، وَالْكِتَابَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى وَالْبَيْعُ تَامٌّ فَالْمَعْصِيَةُ لِخِلَافِهِ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ، وَأَمَّا جَوَازُ الْبَيْعِ فَلِأَنَّ الْإِشْهَادَ وَالْكِتَابَ عَمَلَانِ غَيْرَ الْبَيْعِ وَإِنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِمَا بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ وَصِحَّتِهِ فَإِذَا تَمَّ الْبَيْعُ لَمْ تُبْطِلْهُ مَعْصِيَةٌ حَدَثَتْ بَعْدَهُ وَلِكُلِّ عَمَلٍ حُكْمُهُ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: ٧] {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: ٨]

[مَسْأَلَةٌ أَلْفَاظُ الْبَيْع]

١٤١٦ - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَّا بِلَفْظِ الْبَيْعِ، أَوْ بِلَفْظِ الشِّرَاءِ، أَوْ بِلَفْظِ التِّجَارَةِ، أَوْ بِلَفْظٍ يُعَبَّرُ بِهِ فِي سَائِرِ اللُّغَاتِ عَنْ الْبَيْعِ، فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً غَيْرَ مَقْبُوضَيْنِ لَكِنْ حَالَّيْنِ، أَوْ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى: جَازَ أَيْضًا بِلَفْظِ الدَّيْنِ أَوْ الْمُدَايَنَةِ، وَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِلَفْظِ الْهِبَةِ، وَلَا بِلَفْظِ الصَّدَقَةِ، وَلَا بِشَيْءٍ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا أَصْلًا.

بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] .

وقَوْله تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: ٢٩] . وقَوْله تَعَالَى: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: ٢٨٢] .

فَصَحَّ أَنَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ حَرَامٌ، وَمَا أَحَلَّ فَهُوَ حَلَالٌ، فَمَتَى أُخِذَ مَالٌ بِغَيْرِ الِاسْمِ الَّذِي أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ أَخْذَهُ كَانَ بَاطِلًا بِنَصِّ الْقُرْآنِ.

وَصِفَةُ الْبَيْعِ وَالرِّبَا وَاحِدَةٌ وَالْعَمَلُ فِيهِمَا وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الِاسْمُ فَقَطْ، وَإِنَّمَا هُمَا مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِمَالٍ: أَحَدُهُمَا حَلَالٌ طَيِّبٌ، وَالْآخَرُ حَرَامٌ خَبِيثٌ، كَبِيرَةٌ مِنْ الْكَبَائِرِ، قَالَ تَعَالَى {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: ٣١] {قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة: ٣٢] .

وَقَالَ تَعَالَى: {إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [النجم: ٢٣] .

فَصَحَّ أَنَّ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا تَوْقِيفٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، لَا سِيَّمَا أَسْمَاءُ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي لَا يَجُوزُ فِيهَا الْإِحْدَاثُ، وَلَا تُعْلَمُ إلَّا بِالنُّصُوصِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْحَاضِرِينَ مِنَّا وَمِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>