للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعَهُ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ مِنْ الْبَابِ إلَى الصَّفَا، فَلَمَّا دَنَا إلَى الصَّفَا قَالَ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: ١٥٨] ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» .

قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا عُمُومٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصُّ مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: لَا يُجْزِئُ فِي الْأَعْضَاءِ الْمَغْمُوسَةِ مَعًا لَا الْوُضُوءُ وَلَا الْغُسْلُ إذَا نَوَى بِذَلِكَ الْغَمْسِ كِلَا الْأَمْرَيْنِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْوُضُوءِ كَمَا أُمِرَ، وَلَمْ يَخْلُصْ الْغُسْلُ فَيُجْزِيهِ، لَكِنْ خَلَطَهُ بِعَمَلٍ فَاسِدٍ فَبَطَلَ أَيْضًا الْغُسْلُ فِي تِلْكَ الْأَعْضَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ بِخِلَافِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَأَمَّا الِاسْتِنْشَاقُ وَالِاسْتِنْثَارُ فَلَمْ يَأْتِ فِيهِمَا فِي الْوُضُوءِ ذِكْرٌ بِتَقْدِيمٍ وَلَا تَأْخِيرٍ، فَكَيْفَمَا أَتَى بِهِمَا فِي وُضُوئِهِ أَوْ بَعْدَ وُضُوئِهِ، وَقَبْلَ صَلَاتِهِ أَوْ قَبْلَ وُضُوئِهِ: أَجْزَأَهُ.

قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: جَائِزٌ تَنْكِيسُ الْوُضُوءِ وَالْأَذَانِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالْإِقَامَةِ.

وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ تَنْكِيسُ الْوُضُوءِ وَلَا يَجُوزُ تَنْكِيسُ الطَّوَافِ وَلَا السَّعْيِ وَلَا الْأَذَانِ وَلَا الْإِقَامَةِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يَجُوزُ تَنْكِيسُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَلَا يُجْزِئُ شَيْءٌ مِنْهُ مُنَكَّسًا فَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَظَاهِرُ التَّنَاقُضِ؛ لِأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ مَا لَا فَرْقَ بَيْنَهُ، وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ أَطَرْدُ قَوْلًا، وَأَكْثَرُ خَطَأً، وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، فَهَلَّا قَاسُوا ذَلِكَ عَلَى مَا اُتُّفِقَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَنْعِ مِنْ تَنْكِيسِ الصَّلَاةِ؟ عَلَى أَنَّهُ قَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ عَلَى تَنْكِيسِ الصَّلَاةِ، وَهِيَ حَالُ مَنْ وَجَدَ الْإِمَامَ جَالِسًا أَوْ سَاجِدًا، فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِذَلِكَ وَهُوَ آخِرُ الصَّلَاةِ، وَهَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ فِي قِيَاسِهِمْ.

وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ جَوَازَ تَنْكِيسِ الْوُضُوءِ، وَلَكِنْ لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ الْقُرْآنِ إلَّا فِي الَّذِي أُمِرَ بِبَيَانِهِ وَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهَذَا مِمَّا تَنَاقَضَ فِيهِ الشَّافِعِيُّونَ فَتَرَكُوا فِيهِ قَوْلَ صَاحِبَيْنِ لَا يُعْرَفُ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ.

وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّ الْمَالِكِيِّينَ أَجَازُوا تَنْكِيسَ الْوُضُوءِ الَّذِي لَمْ يَأْتِ نَصٌّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا مِنْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ، ثُمَّ أَتَوْا إلَى مَا أَجَازَ اللَّهُ تَعَالَى تَنْكِيسَهُ فَمَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>