للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَعْضِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ» ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلًا، وَلَا فِي هَذَا اللَّفْظِ مَا تَوَهَّمُوهُ مِنْ الْمَيْلِ عَلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ، لَا نَصَّ، وَلَا أَثَرَ، وَلَا شُبْهَةَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَقُلْ: دَعُوا الْحَاضِرِينَ يَرْزُقُهُمْ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، إنَّمَا قَالَ: «دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ» وَأَهْلُ الْبَدْوِ مِنْ النَّاسِ كَمَا أَهْلُ الْحَضَرِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ وَلَا فَرْقَ، فَيَدْخُلُ فِي هَذَا اللَّفْظِ رِزْقُ اللَّهِ تَعَالَى لِلْبَادِي مِنْ الْحَاضِرِ، وَلِلْبَادِي مِنْ الْبَادِي، وَلِلْحَاضِرِ مِنْ الْبَادِي، وَلِلْحَاضِرِ مِنْ الْحَاضِرِ: دُخُولًا مُسْتَوِيًا، لَا مَزِيَّةَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ مِنْهُ -: فَبَطَلَ ذَلِكَ الظَّنُّ الْكَاذِبُ، وَلَا يَحِلُّ مِنْ بَيْعِ الْبَادِي وَالْحَاضِرِ إلَّا مَا يَحِلُّ مِنْ بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْحَاضِرِ، وَلَا فَرْقَ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا نَهَى عَنْ أَنْ يَبِيعَ لَهُ، قِسْنَا عَلَى ذَلِكَ أَنْ لَا يُشِيرَ عَلَيْهِ؟ قُلْنَا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، وَلَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّكُمْ تَرَكْتُمْ أَنْ تَمْنَعُوا مِنْ الشِّرَاءِ لَهُ قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ لَهُ، وَهُوَ بَيْعٌ مِثْلُهُ، وَقِسْتُمْ الْإِشَارَةَ عَلَى الْبَيْعِ وَلَيْسَتْ مِنْهُ فِي وِرْدٍ وَلَا صَدَرٍ.

وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ امْرَأً لَوْ شَاوَرَ آخَرَ بَعْدَ النِّدَاءِ لِلْجُمُعَةِ فِي بَيْعٍ فَأَشَارَ عَلَيْهِ لَمْ يُحْرَجْ وَلَا أَتَى مَكْرُوهًا، وَلَوْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى لَعَصَى اللَّهَ تَعَالَى، وَأَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ فَأَشَارَ فِي أَمْرِ بَيْعٍ لَمْ يَحْنَثْ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِلْأَئِمَّةِ وَلِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ» وَالْبَادِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَالنُّصْحِيَّةُ لَهُ فَرْضٌ - وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ لَا يُشَارَ عَلَيْهِ لَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ كَمَا نَصَّ عَلَى الْبَيْعِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ ذَكَرْنَا النَّصِيحَةَ لِلْبَادِي آنِفًا مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ جَاءَ فِي ذَلِكَ أَثَرٌ -:

<<  <  ج: ص:  >  >>