للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهِ التَّأْخِيرُ، فَلَا يَضُرُّ الْبَيْعُ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، إلَّا فِي الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ فَقَطْ، فَإِنْ تَأَخَّرَ الْقَبْضُ فِيهِمَا رَبَا اُشْتُرِطَ أَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ.

وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا إجَازَتُهُ الرُّطَبَ بِالتَّمْرِ، وَمَنْعُهُ مِنْ الدَّقِيقِ أَوْ السَّوِيقِ بِالْقَمْحِ جُمْلَةً، فَلَمْ يُجِزْهُ أَصْلًا، فَلَوْ عَكَسَ قَوْلَهُ لَأَصَابَ.

وَهَذِهِ كُلُّهَا وَسَاوِسُ، وَسَخَافَاتٌ، وَمُنَاقَضَاتٌ، لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا، وَأَقْوَالٌ لَا تُحْفَظُ مِنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ.

وَأَمَّا الشَّافِعِيُّونَ: فَإِنَّهُمْ مَنَعُوا مِنْ رِطْلِ سَقَمُونْيَا بِرِطْلَيْنِ مِنْ سَقَمُونْيَا؛ لِأَنَّهَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْمَأْكُولَاتِ، وَأَبَاحُوا وَزْنَ دِرْهَمِ زَعْفَرَانً بِوَزْنِ دِرْهَمَيْنِ مِنْهُ نَقْدًا وَنَسِيئَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ عِنْدَهُمْ.

وَلَمْ يُجِيزُوا بَيْعَ عَسَلٍ مُشْتَارٍ بِشَمْعِهِ كَمَا هُوَ بِعَسَلٍ مُشْتَارٍ بِشَمْعِهِ كَمَا هُوَ أَصْلًا، إلَّا حَتَّى يُصَفَّى كِلَاهُمَا وَأَجَازُوا بَيْعَ الْجَوْزِ بِقِشْرِهِ بِالْجَوْزِ بِقِشْرِهِ.

وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّ إخْرَاجَ الْعَسَلِ مِنْ شَمْعِهِ صَلَاحٌ لَهُ، وَإِخْرَاجَ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ مِنْ قِشْرِهِ، وَنَزْعَ النَّوَى مِنْ التَّمْرِ فَسَادٌ لَهُ.

فَقُلْنَا: كَلًّا، مَا الصَّلَاحُ فِيمَا ذَكَرْتُمْ إلَّا كَالْفَسَادِ فِيمَا وَصَفْتُمْ، وَمَا فِي ذَلِكَ صَلَاحٌ، وَلَا فِي هَذَا فَسَادٌ، وَلَوْ كَانَ فَسَادًا لَمَا حَلَّ أَصْلًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: ٢٠٥]

وَهَذِهِ أَيْضًا مُنَاقَضَاتٌ ظَاهِرَةٌ، وَأَقْوَالٌ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا سَبَقَهُمْ إلَيْهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ مَنَعَ مِنْ بَيْعِ الزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ يَدًا بِيَدٍ، سَوَاءٌ كَانَ أَكْثَرَ مَا فِي الزَّيْتُونِ مِنْ الزَّيْتِ، أَوْ مِثْلَهُ أَوْ أَقَلَّ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْحَقِيقَةُ الَّتِي تَشْهَدُ لَهَا اللُّغَةُ، وَالشَّرِيعَةُ، وَالْحِسُّ، فَهُوَ أَنَّ الدَّقِيقَ لَيْسَ قَمْحًا وَلَا شَعِيرًا، لَا فِي اسْمِهِ، وَلَا فِي صِفَتِهِ، وَلَا فِي طَبِيعَتِهِ.

فَهَذِهِ الدَّوَابُّ تُطْعَمُ الدَّقِيقَ وَالْخُبْزَ فَلَا يَضُرُّهَا بَلْ يَنْفَعُهَا، وَتُطْعَمُ الْقَمْحَ فَيُهْلِكُهَا، وَالدَّبْسُ لَيْسَ تَمْرًا، لَا فِي لُغَةٍ، وَلَا فِي شَرِيعَةٍ، وَلَا فِي مُشَاهَدَةٍ.

وَلَا فِي اسْمِهِ، وَلَا فِي صِفَاتِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>