للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الدِّرْهَمِ مَعْلُومَةً عِنْدَهُمَا فَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا، لِأَنَّهُمَا شَرَطَا إخْرَاجَ الدِّرْهَمِ بِعَيْنِهِ مِنْ الدِّينَارِ، وَهَذَا مُحَالٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ بَعْضٌ لِلدِّينَارِ فَيَخْرُجُ مِنْهُ، فَهُوَ بَاطِلٌ بِكُلِّ حَالٍ وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَالنَّخَعِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَأَجَازَهُ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ

[مَسْأَلَة بَيْع الْأَصْنَاف الربوية بَيْن الْعَبْد وسيده وَبَيْن الْمُسْلِم والكافر]

١٥٠٦ - مَسْأَلَةٌ:

وَالرِّبَا فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَسَيِّدِهِ كَمَا هُوَ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّيْنِ، وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ، وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ، وَبَيْنَ الذِّمِّيَّيْنِ كَمَا هُوَ بَيْنَ الْمُسْلِمَيْنِ، وَلَا فَرْقَ.

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ أَنَا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ أَنَا مُسَدَّدٌ أَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ أَبِي الْعَوَّامِ الْبَصْرِيِّ عَنْ عَطَاءٍ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَبِيعُ مِنْ غِلْمَانِهِ النَّخْلَ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ، فَبَعَثَ إلَيْهِ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَمَا عَلِمْت نَهْيَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ هَذَا؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَلَى، وَلَكِنْ لَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ رِبًا

وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَالنَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَاللَّيْثِ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ.

وَإِنَّمَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ عَلَى أَصْلِهِمْ الَّذِي قَدْ تَقَدَّمَ إفْسَادُنَا لَهُ مِنْ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ، وَذَكَرْنَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ يَرَى الْعَبْدَ يَمْلِكُ، وَهَذَا جَابِرٌ قَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَنَا إبْرَاهِيمُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، قَالَ: مَرَّ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِرَاعٍ فَأَهْدَى الرَّاعِي إلَيْهِ شَاةً؟ فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ: حُرٌّ أَنْتَ أَمْ مَمْلُوكٌ؟ فَقَالَ: مَمْلُوكٌ، فَرَدَّهَا الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ لَهُ الْمَمْلُوكُ: إنَّهَا لِي، فَقِبَلهَا مِنْهُ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَاشْتَرَى الْغَنَمَ، فَأَعْتَقَهُ، وَجَعَلَ الْغَنَمَ لَهُ.

فَهَذَا الْحُسَيْنُ تَقَبَّلَ هَدِيَّةَ الْمَمْلُوكِ إذَا أَخْبَرَهُ أَنَّهَا لَهُ وَقَدْ ذَكَرْنَا مِثْلَ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا سَلَفَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَهُوَ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ لَا مَنْ سِوَاهُ وَإِذَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الرِّبَا وَتَوَعَّدَ فِيهِ فَمَا خَصَّ عَبْدًا مِنْ حُرٍّ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: ٦٤]

وَالْعَجَبُ: أَنَّ الشَّافِعِيَّ، وَأَبَا حَنِيفَةَ: لَا يُجِيزَانِ أَنْ يَبِيعَ الْمَرْءُ مَالَ نَفْسِهِ مِنْ نَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ مَالُ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ فَقَدْ نَقَضُوا أَصْلَهُمْ، وَأَجَازُوا لَهُ بَيْعَ مَالِ نَفْسِهِ مِنْ نَفْسِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>