للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ عَلِيٌّ: وَلَا تَجُوزُ الْإِقَالَةُ فِي السَّلَمِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ، وَبَيْعُ غَرَرٍ، وَبَيْعُ مَا لَمْ يُقْبَضْ، وَبَيْعٌ مَجْهُولٌ لَا يَدْرِي أَيَّمَا فِي الْعَالَمِ هُوَ؟ وَهَذَا هُوَ أَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، إذْ لَمْ يَأْتِ بِجَوَازِهِ نَصٌّ فَيَسْتَثْنِيهِ مِنْ جُمْلَةِ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ، فَإِنَّمَا الْحُكْمُ فِيمَنْ لَمْ يَجِدْ مَا أَسَلَفَ فِيهِ أَنْ يَصْبِرَ حَتَّى يُوجَدَ، أَوْ يَأْخُذَ مِنْهُ قِصَاصًا وَمُعَاقَبَةً مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَتَرَاضَيَا بِهِ: قِيمَةَ مَا وَجَبَ لَهُ عِنْدَهُ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} [البقرة: ١٩٤] وَحَرِيمَةُ الْمَالِ حُرْمَةٌ مُحَرَّمَةٌ يَجِبُ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهَا، فَإِنْ أَرَادَ الْإِحْسَانَ إلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يُبَرِّئَهُ مِنْ كُلِّ مَا لَهُ عِنْدَهُ، أَوْ يَأْخُذَ بَعْضَ مَا لَهُ عِنْدَهُ، أَوْ يُبَرِّئَهُ مِمَّا شَاءَ مِنْهُ وَيَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ، كَمَا «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ فِي الْمُفْلِسِ إذْ قَالَ: تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ» ثُمَّ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذَلِكَ»

وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ " فِي التَّفْلِيسِ " وَفِي " الْجَوَائِحِ " مِنْ كِتَابِنَا هَذَا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِذَا بَطَلَ كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ فَلِنَقُلْ عَلَى تَصْحِيحِ قَوْلِنَا بِعَوْنِ اللَّه تَعَالَى، فَنَقُولُ، وَبِهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ: إنَّ الْإِقَالَةَ لَوْ كَانَتْ فَسْخُ بَيْعٍ لَمَا جَازَتْ إلَّا بِرَدِّ عَيْنِ الثَّمَنِ نَفْسِهِ لَا بِغَيْرِهِ وَلَا بُدَّ لَهُ كَمَا قَالَ ابْنُ سِيرِينَ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ حَبِيبٍ: كُنَّا نَخْتَلِفُ إلَى السَّوَادِ فِي الطَّعَامِ وَهُوَ أَكْدَاسٌ قَدْ حُصِدَ فَنَشْتَرِيهِ مِنْهُمْ الْكُرَّ بِكَذَا وَكَذَا، وَنَنْقُدُ أَمْوَالَنَا، فَإِذَا أَذِنَ لَهُمْ الْعُمَّالُ فِي الدِّرَاسِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَفِي لَنَا بِمَا سُمِّيَ لَنَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَقَصَ طَعَامُهُ فَيَطْلُبُ إلَيْنَا أَنْ نَرْتَجِعَ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ رُءُوسُ أَمْوَالِنَا، فَسَأَلْت الْحَسَنَ عَنْ ذَلِكَ؟ فَكَرِهَهُ إلَّا أَنْ يُسْتَوْفَى مَا سُمِّيَ لَنَا، أَوْ نَرْتَجِعَ أَمْوَالَنَا كُلَّهَا، وَسَأَلْت ابْنَ سِيرِينَ؟ فَقَالَ: إنْ كَانَتْ دَرَاهِمُك بِأَعْيَانِهَا فَلَا بَأْسَ، وَسَأَلْت عَطَاءً؟ فَقَالَ: مَا أَرَاك إلَّا قَدْ رَفَقْت وَأَحْسَنْت إلَيْهِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ صِفَةُ الْفَسْخِ، ثُمَّ نَرْجِعُ فَنَقُولُ: إنَّ الْبَيْعَ عَقْدٌ صَحِيحٌ بِالْقُرْآنِ، وَالسُّنَنِ، وَالْإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ الْمَقْطُوعِ بِهِ مِنْ كُلِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>