للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَجَازَ مَالِكٌ كِلَا الْأَمْرَيْنِ: أَمَّا الْمُدَبَّرُ فَمِنْ نَفْسِهِ فَقَطْ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَمِنْ نَفْسِهِ وَمِنْ غَيْرِهِ، وَأَجَازَ بَيْعَهُمَا جُمْلَةً: الزُّهْرِيُّ، وَابْنُ الْمُسَيِّبِ.

وَرُوِّينَا مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ عَنْ عَطَاءٍ، وَابْنِ سِيرِينَ؛ لِأَنَّ كِتَابَةَ الْمُكَاتَبِ إنَّمَا تَجِبُ بِالنُّجُومِ، وَلَا تَجِبُ قَبْلَ ذَلِكَ، فَمَنْ بَاعَهَا فَقَدْ بَاعَ مَا لَا يَمْلِكُ بَعْدُ، وَلَا يَدْرِي أَيَجِبُ لَهُ أَمْ لَا؟ وَأَيْضًا: فَلَيْسَتْ عَيْنًا مُعَيَّنَةً، فَلَا يَدْرِي الْبَائِعُ أَيَّ شَيْءٍ بَاعَ مِنْ نَوْعِ مَا بَاعَ، وَلَا يَدْرِي الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَى، فَهُوَ بَيْعُ غَرَرٍ، وَمَجْهُولُ الْعَيْنِ، وَأَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ أَجَازَ بَيْعَهَا؟ قُلْنَا: وَكَمْ قِصَّةٍ رُوِيَتْ عَنْ جَابِرٍ خَالَفْتُمُوهَا -: مِنْهَا: قَوْلُهُ الَّذِي قَدْ أَوْرَدْنَا أَنْ لَا يُبَاعَ شَيْءٌ اُشْتُرِيَ كَائِنًا مَا كَانَ إلَّا حَتَّى يُقْبَضَ وَقَوْلُهُ: الْعُمْرَةُ فَرِيضَةٌ، وَقَوْلُهُ: لَا يُحْرِمُ أَحَدٌ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ بِالْحَجِّ وَقَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ ثَمَنُ الْهِرِّ.

وَغَيْرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِمَّا لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي ذَلِكَ، فَالْآنَ صَارَ حُجَّةً وَهُنَالِكَ لَا؟ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.

وَأَمَّا خِدْمَةُ الْمُدَبَّرِ فَبَيْعُهَا ظَاهِرُ الْفَسَادِ وَالْبُطْلَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كَمْ يَخْدِمُ وَلَعَلَّهُ سَيَخْدِمُ خَمْسِينَ سَنَةً، أَوْ لَعَلَّهُ يَمُوتُ غَدًا، أَوْ بَعْدَ سَاعَةٍ، أَوْ يَخْرُجُ حُرًّا كَذَلِكَ - فَهَذَا هُوَ الْحَرَامُ الْبَحْتُ، وَأَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، وَبَيْعُ الْغَرَرِ، وَبَيْعُ مَا لَيْسَ عَيْنًا، وَبَيْعُ مَا لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ، فَقَدْ جَمَعَ كُلَّ بَلَاءٍ.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاعَ خِدْمَةَ الْمُدَبَّرِ» رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ؟

<<  <  ج: ص:  >  >>