للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَحْتَسِبَ عَلَيْكِ فَلْتَفْعَلْ، وَيَكُونُ لَنَا وَلَاؤُكِ؟ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْتَاعِي وَأَعْتِقِي فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» .

وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى نا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ الْمَكِّيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ: «دَخَلَتْ عَلَيَّ بَرِيرَةُ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ فَقَالَتْ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ اشْتَرِينِي فَإِنَّ أَهْلِي يَبِيعُونِي فَأَعْتِقِينِي؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَتْ: إنَّ أَهْلِي لَا يَبِيعُونِي حَتَّى يَشْتَرِطُوا وَلَائِي؟ فَقَالَتْ: لَا حَاجَةَ لِي فِيكِ، فَسَمِعَ ذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ بَلَغَهُ فَقَالَ: مَا شَأْنُ بَرِيرَةَ اشْتَرِيهَا فَأَعْتِقِيهَا وَلْيَشْتَرِطُوا مَا شَاءُوا؟ قَالَتْ فَاشْتَرَيْتُهَا فَأَعْتَقْتُهَا وَذَكَرَتْ بَاقِيَ الْخَبَرِ» .

فَأَمْرُ بَيْعِ بَرِيرَةَ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ - عَلَى تِسْعِ أَوَاقِيَّ فِي تِسْعِ سِنِينَ، كُلَّ سَنَةٍ أُوقِيَّةٌ، أَشْهَرُ مِنْ الشَّمْسِ، وَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ أَدَّتْ بَعْدُ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا، وَأَنَّهَا بِيعَتْ كَذَلِكَ، وَأَنَّ أَهْلَهَا عَرَضُوهَا لِلْبَيْعِ - وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ - بِعِلْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، بَلْ أَمَرَ بِشِرَائِهَا وَعِتْقِهَا وَالْوَلَاءِ لِمَنْ أَعْتَقَهَا، وَهَذَا مَا لَا مُخَلِّصَ مِنْهُ، فَبَلَّحُوا عِنْدَهَا -: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنَّهَا كَانَتْ عَجَزَتْ - وَهَذَا كَذِبٌ بَحْتٌ مُجَرَّدٌ، مَا رَوَى قَطُّ أَحَدٌ أَنَّهَا كَانَتْ عَجَزَتْ، وَلَا جَاءَ ذَلِكَ عَنْهَا فِي الْخَبَرِ، وَأَيْنَ الْعَجْزُ مِنْهَا وَهِيَ فِي اسْتِقْبَالِ تِسْعَةِ أَعْوَامٍ، وَعَائِشَةُ بَعْدُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَائِزَةُ الْأَمْرِ تَبْتَاعُ وَتُعْتِقُ، وَلَمْ تُقِمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا تِسْعَةَ أَعْوَامٍ فَقَطْ.

وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] فَقُلْنَا: نَعَمْ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِالْوَفَاءِ بِالْعَقْدِ وَلَيْسَ لَهُ نَقْضُهُ لَكِنْ إذَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بَطَلَ عَقْدُهُ عَنْ غَيْرِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى -: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: ١٦٤] .

وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمُحْتَجِّينَ بِهَذَا يَرَوْنَ الرُّجُوعَ فِي الْعِتْقِ فِي الْوَصِيَّةِ، وَلَا يَحْتَجُّونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِ {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] وَلَيْسَ إجْمَاعًا فَإِنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ لَا يَرَى الرُّجُوعَ فِي الْعِتْقِ وَالْوَصِيَّةِ، وَكُلُّهُمْ يُجِيزُ بَيْعَ الْعَبْدِ يَقُولُ لَهُ سَيِّدُهُ: إنْ جَاءَ أَبِي فَأَنْتَ

<<  <  ج: ص:  >  >>