للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَالْبَعِيرِ الَّذِي أَعْطَى عَلِيًّا مِنْ النَّفْلِ مِنْ الْخُمْسِ، وَمِنْ الْمَغْنَمِ، وَسَائِرِ هِبَاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَهُمْ، فَوَجَبَ خُرُوجُ ذَلِكَ بِدَلِيلِهِ.

وَوَجَدْنَا كُلَّ مَعْرُوفٍ وَإِنْ كَانَ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ صَدَقَةٍ فَلَهُ اسْمٌ آخَرُ يَخُصُّهُ: كَالْقَرْضِ، وَالْهِبَةِ، وَالْهَدِيَّةِ، وَالْإِبَاحَةِ، وَالْحَمَالَةِ، وَالضِّيَافَةِ، وَالْمِنْحَةِ، وَسَائِرِ أَسْمَاءِ وُجُوهِ الْبِرِّ. وَوَجَدْنَا الصَّدَقَةَ التَّطَوُّعَ لَيْسَ لَهَا اسْمٌ غَيْرَ " الصَّدَقَةِ " وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الصَّدَقَةَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَمَوَالِيهمْ، فَوَجَبَ ضَرُورَةُ أَنْ تَكُونَ الصَّدَقَةُ التَّطَوُّعُ حَرَامًا عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الصَّدَقَةُ الَّتِي لَا اسْمَ لَهَا غَيْرَ " الصَّدَقَةِ " وَلَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ عَلَيْهِمْ وَهِيَ الزَّكَاةُ.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي إبِلٍ أَعْطَاهُ إيَّاهَا مِنْ الصَّدَقَةِ» .

قُلْنَا: هَذَا صَحِيحٌ، وَلَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا - وَهُوَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ هُوَ الْمُعْطِي لِتِلْكَ الْإِبِلِ مِنْ صَدَقَةٍ لَازِمَةٍ لَهُ، فَبَعَثَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهَا إلَى حَيْثُ يَجْمَعُ إبِلَ الصَّدَقَةِ.

وَالثَّانِي - أَنَّهُ حَتَّى لَوْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هُوَ أَعْطَى تِلْكَ الْإِبِلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ - وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْخَبَرِ - لَكَانَ ذَلِكَ مَنْسُوخًا بِتَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ هُوَ الرَّافِعُ الْمَعْهُودُ الْأَصْلِ وَلِلْحَالِ الْأَوَّلِ بِلَا شَكٍّ مِنْ إبَاحَةِ الصَّدَقَةِ لَهُمْ كَسَائِرِ النَّاسِ، وَمَنْ ادَّعَى عَوْدَ الْمَنْسُوخِ نَاسِخًا فَقَدْ كَذَبَ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ لَهُ نَصٌّ بَيِّنٌ بِذَلِكَ.

وَأَمَّا الْغَنِيُّ: فَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ «أَنَّ رَجُلَيْنِ حَدَّثَاهُ أَنَّهُمَا سَأَلَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الصَّدَقَةِ فَقَالَ: إنَّ شِئْتُمَا، وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ» .

قُلْنَا: هَذَا الْخَبَرُ وَكُلُّ مَا جَاءَ بِهَذَا اللَّفْظِ فَإِنَّمَا هُوَ عَلَى " الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ " الَّتِي حُرِّمَتْ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ إلَّا مَنْ خَصَّهُ النَّصُّ مِنْهُمْ: مِنْ {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: ٦٠] فَقَطْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>