للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، إلَّا أَنَّهُ مِنْ الْمَلِيحِ الْمُمَوَّهِ مِنْ مَقَايِيسِهِمْ وَأَنَّهُمْ لَيَسْفِكُونَ الدِّمَاءَ، وَيُبِيحُونَ الْفُرُوجَ، وَالْأَمْوَالَ وَالْأَبْشَارَ بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا، كَقِيَاسِهِمْ فِي الصَّدَاقِ، وَفِي جَلْدِ الشَّارِبِ قِيَاسًا عَلَى الْقَاذِفِ، وَالْقَوَدِ لِلْكَافِرِ مِنْ الْمُؤْمِنِ، وَفَاعِلُ فِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ، وَسَائِرِ قِيَاسِهِمْ، إلَّا أَنَّنَا نُعَارِضُ هَذَا الْقِيَاسَ بِمِثْلِهِ، وَهُوَ أَنَّ الْعَارِيَّةَ دَفْعُ مَالٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ، كَالْوَدِيعَةِ.

وَأَيْضًا - فَإِنَّ مَا يَلِي فِي اللِّبَاسِ وَفِيمَا اُسْتُعِيرَتْ لَهُ فَنَقَصَ مِنْهَا بِلَا تَعَدٍّ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ، فَكَذَلِكَ سَائِرُ النَّقْصِ - وَهَذَا كُلُّهُ وَسَاوِسُ، نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْحُكْمِ بِهَا فِي دِينِهِ.

قَالَ عَلِيٌّ: فَبَقِيَ قَوْلُنَا، فَوَجَدْنَاهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: الْعَارِيَّةُ لَيْسَتْ بَيْعًا وَلَا مَضْمُونَةً إنَّمَا هُوَ مَعْرُوفٌ إلَّا أَنْ يُخَالِفَ فَيَضْمَنَ، وَهَذَا صَحِيحٌ عَنْ عَلِيٍّ.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ هِلَالٍ الْوَزَّانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: الْعَارِيَّةُ بِمَنْزِلَةِ الْوَدِيعَةِ، وَلَا ضَمَانَ فِيهَا، إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى - وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَغَيْرِهِمْ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} [النساء: ٢٩] .

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» .

فَصَحَّ أَنَّ مَالَ الْمُسْتَعِيرِ مُحَرَّمٌ إلَّا أَنْ يُوجِبَهُ نَصُّ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ، وَلَمْ يُوجِبْهُ قَطُّ نَصٌّ مِنْهُمَا - وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: ٩١] : وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الشورى: ٤٢] .

وَالْمُسْتَعِيرُ مَا لَمْ يَتَعَدَّ وَلَا ضَيَّعَ: مُحْسِنٌ فَلَا سَبِيلَ عَلَيْهِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَالْغُرْمُ سَبِيلٌ بِيَقِينٍ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>