للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَصَحَّ أَنَّ الْعِتْقَ الْمَذْكُورَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَمْنَعُ إلَّا مِنْ إخْرَاجِهَا عَنْ الْمِلْكِ فَقَطْ، وَهَذَا بُرْهَانٌ ضَرُورِيٌّ قَاطِعٌ - وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ - إلَّا أَنَّهُ لَا يُسَوِّغُ لِلْحَنَفِيَّيْنِ الِاحْتِجَاجَ بِهِ؛ لِأَنَّ مِنْ أُصُولِهِمْ الْفَاسِدَةِ: أَنَّ مَنْ رَوَى خَبَرًا ثُمَّ خَالَفَهُ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى سُقُوطِ ذَلِكَ الْخَبَرِ - وَابْنُ عَبَّاسٍ هُوَ رَاوِي خَبَرِ أُمِّ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهَا السَّلَامُ - وَهُوَ يَرَى بَيْعَ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ. فَقَدْ تَرَكَ مَا رَوَى، وَمَا يَثْبُتُ عَلَى أُصُولِهِمْ الْفَاسِدَةِ دَلِيلٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِهِنَّ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا، وَابْنَ الزُّبَيْرِ، وَابْنَ عَبَّاسٍ، وَابْنَ مَسْعُودٍ بَعْد عُمَرَ: أَبَاحُوا بَيْعَهُنَّ، وَكُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ هَاهُنَا فَكَذِبٌ ابْتَدَعُوهُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّهَا يَحْرُمُ إخْرَاجُهَا عَنْ مِلْكِهِ إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ، مِمَّا يُدْرَى أَنَّهُ وَلَدٌ، فَإِنَّ النَّصَّ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَرَدَ بِأَنَّهُ أَوَّلُ مَا يَكُونُ نُطْفَةً، ثُمَّ عَلَقَةً، ثُمَّ مُضْغَةً، ثُمَّ عِظَامًا مَكْسُوَّةً لَحْمًا، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ. وَالنُّطْفَةُ: اسْمٌ يَقَعُ عَلَى الْمَاءِ، فَالنُّطْفَةُ لَيْسَتْ وَلَدًا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ وُقُوعِ النُّطْفَةِ فِي الرَّحِمِ وَخُرُوجِهَا إثْرَ ذَلِكَ، وَبَيْنَ خُرُوجِهَا كَذَلِكَ إلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا - مَا دَامَتْ نُطْفَةً - فَإِذَا خَرَجَتْ عَنْ أَنْ تَكُونَ نُطْفَةً إلَى أَنْ تَكُونَ عَلَقَةً، فَهِيَ حِينَئِذٍ وَلَدٌ مُخَلَّقٌ. وَقَالَ تَعَالَى {مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} [الحج: ٥] فَغَيْرُ " الْمُخَلَّقَةِ " هِيَ الَّتِي لَمْ تَنْتَقِلْ عَنْ أَنْ تَكُونَ نُطْفَةً، وَلَا خُلِقَ مِنْهَا وَلَدٌ بَعْدُ، " وَالْمُخَلَّقَةُ " هِيَ الْمُنْتَقِلَةُ عَنْ اسْمِ " النُّطْفَةِ " وَحَدِّهَا وَصِفَتِهَا إلَى أَنْ خَلَقَهَا عَزَّ وَجَلَّ " عَلَقَةً " كَمَا فِي الْقُرْآنِ، فَهِيَ حِينَئِذٍ وَلَدٌ مُخَلَّقٌ، فَهِيَ بِسُقُوطِهِ أَوْ بِبَقَائِهِ: أَوْ وَلَدٌ - وَهَذَا نَصٌّ بَيِّنٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَأَمَّا انْتِزَاعُهُ مَالَهَا - صَحِيحًا كَانَ أَوْ مَرِيضًا - فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: ٥] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: ٦] {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: ٧] وَأُمُّ الْوَلَدِ لَيْسَتْ زَوْجَةً بِلَا خِلَافٍ، فَهِيَ ضَرُورَةً مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُنَا، فَلَنَا أَخْذُ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُنَا. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ تَكُونُ مُعْتَقَةٌ حُرَّةٌ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُنَا؟ قُلْنَا: كَمَا نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى ذَلِكَ، لَا كَمَا اشْتَهَتْ الْعُقُولُ الْفَاسِدَةُ، وَالشَّارِعَةُ بِآرَائِهَا الزَّائِفَةِ، وَلَا عِلْمَ لَنَا إلَّا مَا عَلَّمَنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ، وَقَدْ قُلْتُمْ: إنَّ الْمُكَاتَبَ لَا عَبْدٌ فَيَبْتَاعُ وَيُسْتَخْدَمُ، وَلَا تُوطَأُ الْمُكَاتَبَةُ، وَعَبْدٌ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>