للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأُمِّ عَلَى الْأَبِ: فَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صُحْبَتِي؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ: أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أُمُّكَ، قَالَ ثُمَّ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبُوكَ» فَفَضَّلَ الْأُمَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى الْأَبِ فِي حُسْنِ الصُّحْبَةِ - وَقَدْ سَوَّى اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ بِإِجْمَاعِنَا وَإِجْمَاعِهِمْ فِي الْمِيرَاثِ إذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ فَ {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: ١١] فَمِنْ أَيْنَ تَمْنَعُونَ مِنْ تَفْضِيلِهَا عَلَيْهِ إذَا أَوْجَبَ ذَلِكَ نَصٌّ؟ .

ثُمَّ إنَّ هَؤُلَاءِ الْمُحْتَجِّينَ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا أَوَّلُ مُخَالِفِينَ لَهُ فِي ذَلِكَ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ لَا يُفَضِّلَانِ أُمًّا عَلَى جَدٍّ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْمُمَوِّهُونَ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا يُخَالِفُونَهُ، وَيُخَالِفُونَ عُمَرَ، فَيُفَضِّلُونَ الْأُمَّ عَلَى الْجَدِّ، وَهُمْ يُفَضِّلُونَ الْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ فِي بَعْضِ الْمَوَارِيثِ. فَيَقُولُونَ فِي امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجَهَا، وَأُمَّهَا، وَأَخَوَيْنِ شَقِيقَيْنِ، وَأُخْتَهَا لِأُمٍّ: إنَّ لِلْأُخْتِ لِلْأُمِّ السُّدُسَ كَامِلًا، وَلِلذَّكَرَيْنِ الْأَخَوَيْنِ الشَّقِيقَيْنِ السُّدُسَ بَيْنَهُمَا، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ السُّدُسِ. وَيَقُولُونَ بِآرَائِهِمْ فِي امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجَهَا، أَوْ أُخْتَهَا شَقِيقَتَهَا وَأَخًا لِأَبٍ: إنَّ الْأَخَ لَا يَرِثُ شَيْئًا - فَلَوْ كَانَ مَكَانَهُ أُخْتٌ: فَلَهَا السُّدُسُ، يُعَالُ لَهَا بِهِ، فَهُمْ لَا يُنْكِرُونَ تَفْضِيلَ الْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ

ثُمَّ يُمَوِّهُونَ بِتَشْنِيعِ تَفْضِيلِ الْأُمِّ عَلَى الْأَبِ حَيْثُ أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى.

وَأَمَّا قَوْلُ إبْرَاهِيمَ: خَالَفَ ابْنَ عَبَّاسٍ أَهْلَ الصَّلَاةِ فِي زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ، فَإِنْ كَانَ خِلَافُ أَهْلِ الصَّلَاةِ كُفْرًا أَوْ فِسْقًا فَلْيَنْظُرُوا فِيمَا يَدْخُلُونَ؟ وَالْمُعَرِّضُ بِابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا أَحَقُّ بِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَالْعَجَبُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ هَذَا إبْرَاهِيمُ وَهُوَ يَرْوِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. مُوَافَقَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ كَمَا أَوْرَدْنَا؟

<<  <  ج: ص:  >  >>