للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: التَّيَمُّمُ هَكَذَا وَضَرَبَ ضَرْبَةً لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ فِي الْخُطْبَةِ، فَلَمْ يُخَالِفْهُ مِمَّنْ حَضَرَ أَحَدٌ.

وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنِي مِسْكِينُ بْنُ بُكَيْرٍ ثنا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ مَسْعُودٍ كَانَا يَقُولَانِ: التَّيَمُّمُ لِلْكَفَّيْنِ وَالْوَجْهِ.

قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَبِهَذَا كَانَ يَقُولُ عَطَاءٌ وَمَكْحُولٌ، وَهُوَ الثَّابِتُ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَقَتَادَةَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَبِهِ يَقُولُ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُد.

قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا اسْتِيعَابُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فَمَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ لِمَنْ أَوْجَبَهُ حُجَّةً إلَّا قِيَاسَ ذَلِكَ عَلَى اسْتِيعَابِهِمَا بِالْمَاءِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرِّجْلَيْنِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ فِي الْوُضُوءِ الْغُسْلُ، فَلَمَّا عَوَّضَ مِنْهُ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ سَقَطَ الِاسْتِيعَابُ عِنْدَهُمْ، فَيَلْزَمُهُمْ - إنْ كَانُوا يَدْرُونَ مَا الْقِيَاسُ - أَنَّ كَذَلِكَ لَمَّا كَانَ حُكْمُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ فِي الْوُضُوءِ الْغُسْلَ، ثُمَّ عَوَّضَ مِنْهُ الْمَسْحَ فِي التَّيَمُّمِ، أَنْ يَسْقُطَ الِاسْتِيعَابُ كَمَا سَقَطَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، لَا سِيَّمَا وَمِنْ أُصُولِ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ أَنَّ الْمُشَبَّهَ بِالشَّيْءِ لَا يَقْوَى قُوَّةَ الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّهُ لَا شَيْءَ، وَإِنَّمَا نُورِدُهُ لِنُرِيَهُمْ تَنَاقُضَهُمْ وَفَسَادَ أُصُولِهِمْ، وَهَدْمَ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ، كَمَا نَحْتَجُّ عَلَى كُلِّ مِلَّةٍ وَكُلِّ نِحْلَةٍ وَكُلِّ قَوْلَةٍ بِأَقْوَالِهَا الْهَادِمِ بَعْضُهَا لِبَعْضٍ، لِأَنَّهُمْ يُصَحِّحُونَهَا كُلَّهَا، لَا عَلَى أَنَّنَا نُصَحِّحُ مِنْهَا شَيْئًا، وَإِنَّمَا عُمْدَتُنَا هَهُنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: ١٩٥] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: ٤] وَالْمَسْحُ فِي اللُّغَةِ لَا يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ، فَوَجَبَ الْوُقُوفُ عِنْدَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَأْتِ بِالِاسْتِيعَابِ فِي التَّيَمُّمِ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا إجْمَاعٌ وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ، نَعَمْ وَلَا قِيَاسٌ، فَبَطَلَ الْقَوْلُ بِهِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا فِي هَذَا، وَأَنَّهُ إنَّمَا هُوَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ مَسْحٍ فَقَطْ: أَبُو أَيُّوبَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْهَاشِمِيُّ وَغَيْرُهُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْعَجَبُ أَنَّ لَفْظَةَ الْمَسْحِ لَمْ تَأْتِ فِي الشَّرِيعَةِ إلَّا فِي أَرْبَعَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>