للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ.

وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ الَّذِي أَوْصَى بِعِتْقِ السِّتَّةِ الْأَعْبُدِ، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ، فَأَقْرَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً فَقَالُوا: هَذِهِ وَصِيَّةٌ لِغَيْرِ الْأَقَارِبِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَنَحْنُ لَا نُخَالِفُهُمْ فِي أَنَّ قَبْلَ نُزُولِهَا كَانَ لِلْمَرْءِ أَنْ يُوصِيَ لِمَنْ شَاءَ، فَهَذَا الْخَبَرُ مُوَافِقٌ لِلْحَالِ الْمَنْسُوخَةِ الْمُرْتَفِعَةِ بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ قَطْعًا - فَحُكْمُ هَذَا الْخَبَرِ مَنْسُوخٌ بِلَا شَكٍّ وَالْآيَةُ رَافِعَةٌ لِحُكْمِهِ نَاسِخَةٌ لَهُ بِلَا شَكٍّ.

وَمَنْ ادَّعَى فِي النَّاسِخِ أَنَّهُ عَادَ مَنْسُوخًا، وَفِي الْمَنْسُوخِ أَنَّهُ عَادَ نَاسِخًا بِغَيْرِ نَصٍّ ثَابِتٍ وَارِدٍ بِذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ الْبَاطِلَ وَقَفَا مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَقَالَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا لَا يَعْلَمُ وَتَرَكَ الْيَقِينَ وَحَكَمَ بِالظُّنُونِ، وَهَذَا مُحَرَّمٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ.

وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: ٨٩] فَنَحْنُ نَقْطَعُ وَنَبُتُّ وَنَشْهَدُ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى نَسْخِ نَاسِخٍ، وَرَدِّ حُكْمٍ مَنْسُوخٍ دُونَ بَيَانٍ وَارِدٍ لَنَا بِذَلِكَ، وَلَوْ جَازَ غَيْرُ هَذَا لَكُنَّا مِنْ دِينِنَا فِي لَبْسٍ، وَلَكُنَّا لَا نَدْرِي مَا أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِمَّا نَهَانَا عَنْهُ، حَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا - فَظَهَرَ لَنَا بُطْلَانُ تَمْوِيهِهِمْ بِهَذَا الْخَبَرِ.

وَأَيْضًا: فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ كَانَ صَلِيبَةً مِنْ الْأَنْصَارِ، وَكَانَ لَهُ قَرَابَةٌ لَا يَرِثُونَ، فَإِذْ لَيْسَ ذَلِكَ فِيهِ فَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ حَلِيفًا أَتِيًّا لَا قَرَابَةَ لَهُ، فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، وَلَا يَحِلُّ الْقَطْعُ بِالظَّنِّ، وَلَا تَرْكُ الْيَقِينِ لَهُ.

وَأَعْجَبُ شَيْءٍ احْتِجَاجُهُمْ فِي هَذَا بِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أَوْصَى لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِحَدِيقَةٍ بِيعَتْ بِأَرْبَعِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ - وَلِأَهْلِ بَدْرٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ، مِائَةُ دِينَارٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ - وَأَنَّ عُمَرَ أَوْصَى لِكُلِّ أُمٍّ وَلَدٍ لَهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، أَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ - وَأَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَوْصَتْ لِآلِ أَبِي يُونُسَ مَوْلَاهَا بِمَتَاعِهَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّ هَذَا لَمِنْ قَبِيحِ التَّدْلِيسِ فِي الدِّينِ، وَلَيْتَ شِعْرِي: أَيُّ شَيْءٍ فِي هَذَا مِمَّا يُبِيحُ أَنْ لَا يُوصِيَ لِقَرَابَتِهِ؟ وَهَلْ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَخْبَارِ أَنَّهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَمْ يُوصُوا لِقَرَابَتِهِمْ؟ فَإِنْ قَالُوا: لَمْ يُذْكَرْ هَذَا فِيهِ؟ قُلْنَا: وَلَا ذُكِرَ فِيهِ أَنَّهُمْ أَوْصَوْا بِالثُّلُثِ فَأَقَلَّ، وَلَعَلَّهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>