للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ حِينِ عَقَدَهُ إلَى حِينِ مَاتَ، وَلَا تَدْخُلُ دِيَتُهُ إنْ قُتِلَ خَطَأً فِيمَا تُنَفَّذُ مِنْهُ وَصَايَاهُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ لَهُ قَطُّ، وَلَا مَلَكَهَا قَطُّ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ لِوَرَثَتِهِ فَقَطْ - وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، وَزِيَادٍ الْأَعْلَمِ، قَالَ الْحَجَّاجُ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَقَالَ زِيَادٌ الْأَعْلَمُ: عَنْ الْحَسَنِ، ثُمَّ اتَّفَقَ عَلِيٌّ، وَالْحَسَنُ فِيمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ، ثُمَّ قُتِلَ خَطَأً: أَنَّهُ يَدْخُلُ ثُلُثُ دِيَتِهِ فِي ثُلُثِهِ، وَإِنْ كَانَ اسْتَفَادَ مَالًا وَلَمْ يَكُنْ شَعَرَ بِهِ: دَخَلَ ثُلُثُهُ فِي وَصِيَّتِهِ - وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ - وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ، حَاشَ الدِّيَةِ فَلَا تَدْخُلُ وَصِيَّتُهُ فِيهَا.

وَقَالَ آخَرُونَ: لَا تَدْخُلُ وَصِيَّتُهُ إلَّا فِيمَا عَلِمَ مِنْ مَالِهِ، لَا فِيمَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ - رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَكْحُولٍ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَرَبِيعَةَ.

وَقَالَ مَالِكٌ كَذَلِكَ، إلَّا فِيمَا رَجَاهُ وَلَمْ يَعْلَمْ قَدْرَهُ، كَرِبْحِ مَالٍ يَنْتَظِرُهُ، أَوْ غَلَّةٍ لَا يَدْرِي مَبْلَغَهَا، فَإِنَّ وَصَايَاهُ تَدْخُلُ فِيهَا - وَمَا نَعْلَمُ هَذَا التَّقْسِيمَ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَلَا نَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً أَصْلًا

وَبُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا: - قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي آيَةِ الْمَوَارِيثِ: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: ١١] فَأَوْجَبَ عَزَّ وَجَلَّ الْمِيرَاثَ فِي كُلِّ مَا عَلِمَ بِهِ مِنْ مَالِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَأَوْجَبَ الْوَصِيَّةَ وَالدَّيْنَ مُقَدَّمَيْنِ كَذَلِكَ عَلَى الْمَوَارِيثِ، فَالْمُفَرَّقُ بَيْنَ ذَلِكَ مُبْطِلٌ بِلَا دَلِيلٍ، وَإِنَّمَا يَبْطُلُ مِنْ الْوَصِيَّةِ مَا قَصَدَ بِهِ مَا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَقَطْ، وَمَا نَعْلَمُ لِمُخَالِفِينَا حُجَّةً أَصْلًا - وَقَدْ خَالَفُوا فِي ذَلِكَ صَاحِبًا لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ.

فَإِنْ قَالُوا: إنَّ الرِّوَايَةَ فِي ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ فِيهَا الْحَجَّاجَ، وَالْحَارِثَ؟ قُلْنَا: وَالرِّوَايَةُ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا عَنْ عَبْدِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - وَلَا تَصِحُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ؛ لِأَنَّهَا عَنْ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضٍ - وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ - وَلَا تَصِحُّ عَنْ مَكْحُولٍ؛ لِأَنَّهَا عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ عَلِيٍّ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - وَلَا عَنْ رَبِيعَةَ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ؛ لِأَنَّهَا عَمَّنْ لَمْ يُسَمَّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>