للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَدْ بَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُ حُكْمٌ نَافِذٌ غَيْرُ الْإِنْكَارِ وَالْإِبْطَالِ، وَصَحَّ قَوْلُنَا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَأَمَّا إبْطَالُ الْأَوْزَاعِيِّ الْوَصِيَّةَ لِلْعَبْدِ جُمْلَةً فَخَطَأٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْوَصِيَّةِ جُمْلَةً وَلَمْ يَخُصَّ الْعَبْدَ مِنْ الْحُرِّ.

قَالَ تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: ١١] فَكُلُّ وَصِيَّةٍ جَائِزَةٌ إلَّا وَصِيَّةٌ مَنَعَ مِنْهَا نَصُّ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ.

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «فِي كُلِّ ذِي كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ» .

فَإِنْ قِيلَ: الْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ؟

قُلْنَا: بَلْ يَمْلِكُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجَازَ لِلْعَبْدِ النِّكَاحَ، وَأَمَرَ بِإِنْكَاحِ الْإِمَاءِ وَكَلَّفَ النَّاكِحَ جُمْلَةً النَّفَقَةَ وَالْإِسْكَانَ وَالصَّدَاقَ، وَلَا يُكَلَّفُ ذَلِكَ إلَّا مَالِكٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ نَاكِحٍ، قَالَ تَعَالَى: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: ٢٥] فَأَمَرَ تَعَالَى بِإِعْطَاءِ الْأَمَةِ مَهْرَهَا - فَصَحَّ أَنَّهُ لَهَا مِلْكٌ صَحِيحٌ.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: ٣٢] وَهَذَا نَصٌّ ظَاهِرٌ.

فَصَحَّ أَنَّ مِلْكَ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ لِلْمَالِ وَكَوْنَهُمْ أَغْنِيَاءَ وَفُقَرَاءَ كَالْأَحْرَارِ.

فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: ٧٥] .

قُلْنَا: لَمْ يَقُلْ اللَّهُ تَعَالَى: إنَّ هَذِهِ صِفَةُ كُلِّ مَمْلُوكٍ، إنَّمَا ذَكَرَ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ مِنْ الْمَمَالِيكِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: ٧٦] أَفَتَرَوْنَ كُلَّ أَبْكَمَ؟ فَوَاجِبٌ لَا يَمْلِكُ الْمَالَ أَصْلًا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ النَّصَّيْنِ؟ وَبُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَمْلِكَ مَالًا، إنَّمَا قَالَ: لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى لَا يَقُولُ إلَّا الْحَقَّ وَنَحْنُ نَرَى الْعَبِيدَ يَقْدِرُونَ عَلَى أَشْيَاءَ كَقُدْرَةِ الْأَحْرَارِ، أَوْ أَكْثَرَ، فَيَقْدِرُونَ عَلَى الصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالطَّهَارَةِ، وَالْجِمَاعِ، وَالْحَرَكَةِ، وَحَمْلِ الْأَثْقَالِ، وَالْقِتَالِ، وَالْغَزْوِ.

فَصَحَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَعْنِ قَطُّ بِتِلْكَ الْآيَةِ: مِلْكَ الْمَالِ، وَإِنَّمَا عَنَى عَبْدًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ لِضَعْفِ جِسْمِهِ جُمْلَةً - فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>