للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الصَّغِيرِ لَهُ حَجٌّ؟ فَنَعَمْ، هُوَ حَقٌّ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ إطْلَاقُهُ عَلَى التَّقَرُّبِ بِالْمَالِ وَالصَّدَقَةِ بِهِ، لَا فِي حَيَاتِهِ وَلَا فِي وَصِيَّتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقِيسُوا الصَّدَقَةَ فِي الْحَيَاةِ مِنْ الصَّغِيرِ عَلَى الْحَجِّ مِنْهُ، فَقِيَاسُ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ عَلَى الصَّدَقَةِ بِالْمَالِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا مِنْ قِيَاسِ الْوَصِيَّةِ عَلَى الْحَجِّ وَالصَّلَاةِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ يُحَضُّ عَلَى الصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ فَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ - فَبَاطِلٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ قِيَاسٌ فَاسِدٌ كَمَا ذَكَرْنَا.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الصَّغِيرَ، وَالسَّفِيهَ مَمْنُوعَانِ مِنْ مَالِهِمَا، وَوَصِيَّةُ السَّفِيهِ جَائِزَةٌ فَكَذَلِكَ الصَّغِيرُ - فَهَذَا مِنْ أَفْسَدِ مَا شَغَبُوا بِهِ، لِأَنَّنَا لَا نُسَاعِدُهُمْ عَلَى أَنَّ مُسْلِمًا يَعْقِلُ يَكُونُ سَفِيهًا أَصْلًا، حَاشَ لِلَّهِ مِنْ ذَلِكَ، إنَّمَا السَّفِيهُ الْكَافِرُ، أَوْ الْمَجْنُونُ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ - لَكِنْ نَقُولُ لَهُمْ: إنَّ الصَّغِيرَ وَالْأَحْمَقَ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ: مَمْنُوعَانِ مِنْ مَالِهِمَا، وَوَصِيَّةُ الْأَحْمَقِ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ لَا تَجُوزُ، فَالصَّغِيرُ كَذَلِكَ - فَهَذَا قِيَاسٌ أَصَحُّ مِنْ قِيَاسِهِمْ؛ لِأَنَّ الْقَضِيَّةَ الْأُولَى مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا -.

وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ فِعْلُ عُمَرَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ؟ فَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

ثُمَّ إنَّهَا لَا تَصِحُّ عَنْ عُمَرَ، وَلَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، لِأَنَّ أُمَّ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ مَجْهُولَةٌ، وَعَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ، وَلَا يُدْرَى مَنْ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَدْ خَالَفَهُمَا ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالرِّوَايَةُ عَنْهُمْ كُلِّهِمْ فِي ذَلِكَ لَا تَصِحُّ.

وَكَمْ قَضِيَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَا يُعْرَفُ لَهُ فِيهَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَبَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

فَلَمَّا بَطَلَ كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ وَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا} [النساء: ٥] {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: ٦]

<<  <  ج: ص:  >  >>