للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُخَالِفٌ فِي ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ كَقَوْلِهِ فِي الْيَرْبُوعِ يُصِيبُهُ الْمُحْرِمُ بِعَنَاقٍ، وَفِي الْأَرْنَبِ بِجَدْيٍ وَسَائِرِ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ تَقَصَّيْنَاهُ فِي مَوَاضِعِهِ.

وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى ذَلِكَ.

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ لِذَلِكَ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا فَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ لَا يُجِيزُونَ الرُّجُوعَ فِي التَّدْبِيرِ، وَلَا بَيْعَ الْمُدَبَّرِ، وَهَذِهِ وَصِيَّةٌ بِالْعِتْقِ فِي كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ لِمَا لَا يَجِبُ إلَّا بِالْمَوْتِ، وَلَا يَخْرُجُ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ وَهَذِهِ صِفَةُ سَائِرِ الْوَصَايَا.

وَأَعْجَبُ شَيْءٍ تَبْدِيئُهُمْ الْعِتْقَ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا وَتَأْكِيدُهُمْ إيَّاهُ، وَتَغْلِيظُهُمْ فِيهِ، ثُمَّ سَوَّوْهُ هَاهُنَا بِسَائِرِ الْوَصَايَا؟ فَاعْجَبُوا لِهَذِهِ الْآرَاءِ وَهَذِهِ الْمَقَايِيسِ؟ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ لَا يُجِيزُ الرُّجُوعَ فِي التَّدْبِيرِ، وَهُوَ عِنْدَهُ وَصِيَّةٌ بِالْعِتْقِ - وَهَذَا تَنَاقُضٌ لَا خَفَاءَ بِهِ، وَقِيَاسُ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِغَيْرِ الْعِتْقِ، وَكُلُّهُمْ لَا يُجِيزُ الرُّجُوعَ فِي الْعِتْقِ بِالصِّفَةِ الْبَتَّةِ وَالْوَصِيَّةُ بِالْعِتْقِ عِتْقٌ بِصِفَةٍ فَعَادَ قِيَاسُهُمْ عَلَيْهِمْ فَإِذْ قَدْ بَطَلَ قَوْلُهُمْ فَعَلَيْنَا بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ نَأْتِيَ بِالْبُرْهَانِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا.

فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] وَكَانَ عَهْدُهُ بِعِتْقِهِ عَبْدَهُ إنْ مَاتَ عَقْدًا مَأْمُورًا بِالْوَفَاءِ بِهِ، وَمَا هَذِهِ صِفَتُهُ فَلَا يَحِلُّ الرُّجُوعُ فِيهِ.

وَأَمَّا سَائِرُ الْوَصَايَا فَإِنَّمَا هِيَ مَوَاعِيدُ، وَالْوَعْدُ لَا يَلْزَمُ إنْفَاذُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي " بَابِ النَّذْرِ " مِنْ هَذَا الدِّيوَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ بِأَنْ يُعْتِقَ عَنْهُ رَقَبَةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ، فَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ وَهَمٌّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يُنَفِّذْهَا؟ فَلَهُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ عَقْدًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَأَمَّا إذَا أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ فَقَدْ فَعَلَ مَا هُوَ مُبَاحٌ لَهُ، فَإِذْ صَارَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَقَدْ بَطَلَ عَقْدُهُ فِيهِ: لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: ١٦٤] فَإِنْ عَادَ إلَى مِلْكِهِ لَمْ يَرْجِعْ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ مَا بَطَلَ بِوَاجِبٍ فَلَا يَعُودُ إلَّا بِنَصٍّ وَلَا نَصَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>