للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَقُلْنَا: إذَا بَلَغَ الْمُسْلِمُ فَقَدْ صَارَ فِي نِصَابِ مَنْ يُكْتَبُ لَهُ الْخَيْرُ، وَيُكْتَبُ عَلَيْهِ الشَّرُّ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ سَلِمَ مِنْ ذَنْبٍ.

قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ} [النحل: ٦١] وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} [فاطر: ٤٥] .

فَصَحَّ: أَنَّهُ لَا أَحَدَ إلَّا وَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَاكْتَسَبَ إثْمًا، فَإِذْ قَدْ صَحَّ هَذَا وَلَا بُدَّ، فَلَا بُدَّ مِنْ التَّوَقُّفِ فِي خَبَرِهِ وَشَهَادَتِهِ حَتَّى يُعْلَمَ أَيْنَ أَحَلَّتْهُ ذُنُوبُهُ فِي جُمْلَةِ الْفَاسِقِينَ: فَتَسْقُطُ شَهَادَتُهُ بِنَصِّ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: ٦] أَمْ فِي جُمْلَةِ الْمَغْفُورِ لَهُمْ مَا أَذْنَبُوا، وَمَا ظَلَمُوا فِيهِ أَنْفُسَهُمْ، وَمَا كَسَبُوا مِنْ إثْمٍ بِالتَّوْبَةِ، أَوْ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ، وَالتَّسَتُّرِ بِالصَّغَائِرِ: بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: مَنْ سَلِمَ مِنْ الْفَوَاحِشِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الْحُدُودُ وَمَا يُشْبِهُ مَا يَجِبُ فِيهِ الْحُدُودُ مِنْ الْعَظَائِمِ، وَكَانَ يُؤَدِّي الْفَرَائِضَ، وَأَخْلَاقُ الْبِرِّ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ الْمَعَاصِي: قَبِلْنَا شَهَادَتَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْلَمُ عَبْدٌ مِنْ ذَنْبٍ.

وَإِنْ كَانَتْ الْمَعَاصِي أَكْثَرَ مِنْ أَخْلَاقِ الْبِرِّ رَدَدْنَا شَهَادَتَهُ.

وَلَا نُجِيزُ شَهَادَةَ مَنْ يَلْعَبُ بِالشِّطْرَنْجِ وَيُقَامِرُ عَلَيْهَا.

وَلَا مَنْ يَلْعَبُ بِالْحَمَامِ وَيُطَيِّرُهَا.

وَلَا مَنْ يُكْثِرُ الْحَلِفَ بِالْكَذِبِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كَلَامٌ مُتَنَاقِضٌ؛ لِأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى كَثْرَةِ الْخَيْرِ وَكَثْرَةِ الشَّرِّ - وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ زِنًى مَرَّةً فَهُوَ فَاسِقٌ حَتَّى يَتُوبَ.

ثُمَّ رَدَّ الشَّهَادَةَ بِاللَّعِبِ بِالْحَمَامِ - وَمَا نَدْرِي ذَلِكَ مُحَرَّمًا مَا لَمْ يَسْرِقْ حَمَامَ النَّاسِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا كَانَ الْأَغْلَبُ وَالْأَظْهَرُ مِنْ أَمْرِهِ الطَّاعَةَ وَالْمُرُوءَةَ: قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَإِذَا كَانَ الْأَغْلَبُ مِنْ أَمْرِهِ الْمَعْصِيَةَ، وَخِلَافَ الْمُرُوءَةِ: رُدَّتْ شَهَادَتُهُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كَانَ يَجِبُ أَنْ يَكْتَفِيَ بِذِكْرِ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ، وَأَمَّا ذِكْرُهُ الْمُرُوءَةَ هَاهُنَا فَفُضُولٌ مِنْ الْقَوْلِ وَفَسَادٌ فِي الْقَضِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ مِنْ الطَّاعَةِ فَالطَّاعَةُ تُغْنِي

<<  <  ج: ص:  >  >>