للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُلْزِمْهُمْ شَيْئًا مِنْ هَذَا فَخَرَجَ بِنَصِّهِ وَبَقِيَ سَائِرُ الْحُكْمِ عَلَيْهِمْ عَلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ وَلَا بُدَّ.

وَصَحَّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَتَلَ يَهُودِيًّا قَوَدًا بِصَبِيَّةٍ مُسْلِمَةٍ وَرَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا» وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى حُكْمِ دِينِهِمْ.

فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِآبِدَةٍ مُهْلِكَةٍ، وَهِيَ أَنْ قَالُوا: إنَّمَا أَنْفَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّجْمَ بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا} [المائدة: ٤٤] .

فَقُلْنَا: هَذَا كُفْرٌ مِمَّنْ قَالَهُ، إذْ جَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُنَفِّذًا لِحُكْمِ الْيَهُودِ، تَارِكًا لِتَنْفِيذِ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، حَاشَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ.

وَأَيْضًا فَهَبْكَ أَنَّهُ كَمَا قُلْتُمْ فَارْجُمُوهُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ نَفْسِهِ، وَإِلَّا فَقَدْ جَوَّرْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَأَمَّا الْآيَةُ: فَإِنَّمَا هِيَ خَبَرٌ عَنْ النَّبِيِّينَ السَّالِفِينَ فِيهِمْ، لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا لَنَا نَبِيِّينَ، إنَّمَا لَنَا نَبِيٌّ وَاحِدٌ - فَصَحَّ أَنَّهُ غَيْرُ مَعْنِيٍّ بِهَذِهِ الْآيَةِ.

ثُمَّ نَقُولُ لَهُمْ: أَخْبِرُونَا عَنْ أَحْكَامِ دِينِهِمْ أَحَقٌّ - هِيَ إلَى الْيَوْمِ - مُحْكَمٌ أَمْ بَاطِلٌ مَنْسُوخٌ؟ وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا -: فَإِنْ قَالُوا: حَقٌّ مُحْكَمٌ كَفَرُوا جِهَارًا، وَإِنْ قَالُوا بَلْ بَاطِلٌ مَنْسُوخٌ.

قُلْنَا: صَدَقْتُمْ، وَأَقْرَرْتُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنَّكُمْ رَدَدْتُمُوهُمْ إلَى الْبَاطِلِ الْمَنْسُوخِ الْحَرَامِ، وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ.

وَقَالَ تَعَالَى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النساء: ١٣٥] وَلَيْسَ مِنْ الْقِسْطِ تَرْكُهُمْ يَحْكُمُونَ بِالْكُفْرِ الْمُبَدَّلِ أَوْ بِحُكْمٍ قَدْ أَبْطَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى، أَوْ حَرَّمَ الْقَوْلَ بِهِ وَالْعَمَلَ بِهِ.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: ٢] .

وَمِنْ رَدَّهُمْ إلَى حُكْمِ الْكُفْرِ الْمُبَدَّلِ وَالْأَمْرِ الْمَنْسُوخِ الْمُحَرَّمِ، فَلَمْ يُعِنْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، بَلْ أَعَانَ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>