للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَيْضًا - فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عَنْ عَلِيٍّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ أَوْ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ - وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافُ ذَلِكَ - فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ.

وَأَمَّا مَنْ أَجَازَهُ فِيمَا عَلِمَ قَبْلَ الْعَمَى، وَلَمْ يُجِزْهُ فِيمَا عَلِمَ بَعْدَ الْعَمَى، فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الشَّهَادَةِ؟ فَقَالَ: أَلَا تَرَى الشَّمْسَ عَلَى مِثْلِهَا فَاشْهَدْ أَوْ دَعْ» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَبَرٌ لَا يَصِحُّ سَنَدُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ مَسْمُولٍ - وَهُوَ هَالِكٌ - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ وَهْرَامَ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - لَكِنَّ مَعْنَاهُ صَحِيحٌ، وَقَالُوا: الْأَصْوَاتُ قَدْ تَشْتَبِهُ، وَالْأَعْمَى كَمَنْ أُشْهِدَ فِي ظُلْمَةٍ أَوْ خَلْفَ حَائِطٍ - مَا نَعْلَمُ لَهُمْ غَيْرَ هَذَا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنْ كَانَتْ الْأَصْوَاتُ تَشْتَبِهُ فَالصُّوَرُ أَيْضًا قَدْ تَشْتَبِهُ، وَمَا يَجُوزُ لِمُبْصِرٍ وَلَا أَعْمَى أَنْ يَشْهَدَ إلَّا بِمَا يُوقِنُ وَلَا يَشُكُّ فِيهِ.

وَمَنْ أُشْهِدَ خَلْفَ حَائِطٍ أَوْ فِي ظُلْمَةٍ فَأَيْقَنَ بِلَا شَكٍّ بِمَنْ أَشْهَدَهُ فَشَهَادَتُهُ مَقْبُولَةٌ فِي ذَلِكَ.

وَلَوْ لَمْ يَقْطَعْ الْأَعْمَى بِصِحَّةِ الْيَقِينِ عَلَى مَنْ يُكَلِّمُهُ لَمَا حَلَّ لَهُ أَنْ يَطَأَ امْرَأَتَهُ، إذْ لَعَلَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ، وَلَا يُعْطِيَ أَحَدًا دَيْنًا عَلَيْهِ، إذْ لَعَلَّهُ غَيْرُهُ، وَلَا أَنْ يَبِيعَ مِنْ أَحَدٍ وَلَا أَنْ يَشْتَرِيَ.

وَقَدْ قَبِلَ النَّاسُ كَلَامَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ خَلْفِ الْحِجَابِ.

فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا حَلَّ لَهُ وَطْءُ امْرَأَتِهِ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ، كَمَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ فِي دُخُولِهَا عَلَيْهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلَعَلَّهَا غَيْرُهَا.

قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ وَلَا يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يُوقِنَ أَنَّهَا الَّتِي تَزَوَّجَ.

وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِقَبُولِ الْبَيِّنَةِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَعْمَى مِنْ مُبْصِرٍ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: ٦٤] .

وَمَا نَعْلَمُ فِي الضَّلَالَةِ بَعْدَ الشِّرْكِ وَالْكَبَائِرِ أَكْبَرَ مِمَّنْ دَانَ اللَّهَ بِرَدِّ شَهَادَةِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنِ أُمِّ كُلْثُومٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ -.

وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ.

[مَسْأَلَة لُزُوم الشَّهَادَة بلفظ أَشْهَد]

١٨٠٩ - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَنْ سَمِعَ إنْسَانًا يُخْبِرُ بِحَقٍّ لِزَيْدٍ عَلَيْهِ إخْبَارًا صَحِيحًا تَامًّا لَمْ يَصِلْهُ بِمَا يُبْطِلُهُ، أَوْ بِأَنَّهُ قَدْ وَهَبَ أَمْرًا كَذَا لِفُلَانٍ، أَوْ أَنَّهُ أَنْكَحَ زَيْدًا، أَوْ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>