للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يُخَالِفُ حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الثَّابِتَ عَنْهُ وَيُنْكِرُ عِلْمًا صَحِيحًا مَعْرُوفَ الْوَجْهِ، ثُمَّ يَرَى أَنْ يُلْحِقَ الْوَلَدَ بِأَبَوَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَبُوهُ، وَبِامْرَأَتَيْنِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أُمُّهُ - فَيَأْتِي مِنْ ذَلِكَ بِمَا لَا يُعْقَلُ، وَلَا جَاءَ بِهِ قَطُّ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ.

وَالْعَجَبُ مِنْ مَالِكٍ إذْ يَحْتَجُّ بِخَبَرِ مُجَزِّزٍ الْمَذْكُورِ، ثُمَّ يُخَالِفُهُ، لِأَنَّ مُجَزِّزًا إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي ابْنِ حُرَّةٍ لَا فِي ابْنِ أَمَةٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَة لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ إلَّا مِمَّنْ وَلَّاهُ الْإِمَامُ الْقُرَشِيُّ الْوَاجِبَةُ طَاعَتُهُ]

١٨١١ - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ إلَّا مِمَّنْ وَلَّاهُ الْإِمَامُ الْقُرَشِيُّ الْوَاجِبَةُ طَاعَتُهُ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ فَكُلُّ مَنْ أَنْفَذَ حَقًّا فَهُوَ نَافِذٌ، وَمَنْ أَنْفَذَ بَاطِلًا فَهُوَ مَرْدُودٌ.

بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا ذَكَرْنَا مِنْ وُجُوبِ طَاعَةِ الْإِمَامِ قَبْلُ فَإِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ فَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النساء: ١٣٥]

وَقَالَ تَعَالَى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: ٨] وَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ.

وَقَدْ وَافَقَنَا الْمُخَالِفُونَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ حَكَمَ فَهُوَ نَافِذٌ حُكْمُهُ، فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يُنْفِذُوا حُكْمَ أَحَدٍ إلَّا مَنْ أَوْجَبَ الْقُرْآنُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَاذَ حُكْمِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَة الِارْتِزَاقُ عَلَى الْقَضَاءِ]

١٨١٢ - مَسْأَلَةٌ: وَالِارْتِزَاقُ عَلَى الْقَضَاءِ جَائِزٌ لِلثَّابِتِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَتَاهُ مَالٌ فِي غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أَوْ إشْرَافِ نَفْسٍ فَلْيَأْخُذْهُ» وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَة هَلْ للإمام عَزْل الْقَاضِي مَتَى شَاءَ]

١٨١٣ - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْزِلَ الْقَاضِيَ مَتَى شَاءَ عَنْ غَيْرِ خَرِبَةٍ، قَدْ «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيًّا إلَى الْيَمَنِ قَاضِيًا، ثُمَّ صَرَفَهُ حِينَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَلَمْ يَرْجِعْ إلَى الْيَمَنِ بَعْدَهَا» .

[مَسْأَلَة قَالَ لَهُ قَاضٍ قَدْ ثَبَتَ عَلَى هَذَا الصَّلْبُ أَوْ الْقَتْلُ وَغَيْر ذَلِكَ]

١٨١٤ - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ لَهُ قَاضٍ: قَدْ ثَبَتَ عَلَى هَذَا: الصَّلْبُ، أَوْ الْقَتْلُ، أَوْ الْقَطْعُ، أَوْ الْجَلْدُ، أَوْ أَخْذُ مَالٍ مِقْدَارُهُ كَذَا مِنْهُ، فَأَنْفِذْ ذَلِكَ عَلَيْهِ -: فَإِنْ كَانَ الْمَأْمُورُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ إنْفَاذُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ - إنْ كَانَ الْآمِرُ لَهُ جَاهِلًا، أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ - إلَّا حَتَّى يُوقِنَ أَنَّهُ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ لَهُ فَيَلْزَمُهُ إنْفَاذُهُ حِينَئِذٍ وَإِلَّا فَلَا.

وَإِنْ كَانَ الْآمِرُ لَهُ عَالِمًا فَاضِلًا لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَيْضًا إنْفَاذُ أَمْرِهِ إلَّا حَتَّى يَسْأَلَهُ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ وَجَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ؟ فَإِذَا أَخْبَرَهُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُوجِبًا عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ لَزِمَهُ إنْفَاذُ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَكْتَفِيَ بِخَبَرِ الْحَاكِمِ الْعَدْلِ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَقْلِيدُهُ فِيمَا رَأَى أَنَّهُ فِيهِ مُخْطِئٌ.

وَأَمَّا الْجَاهِلُ فَلَا يَحِلُّ لَهُ إنْفَاذُ أَمْرِ مَنْ لَيْسَ عَالِمًا فَاضِلًا.

فَإِنْ كَانَ الْآمِرُ لَهُ عَالِمًا فَاضِلًا سَأَلَهُ: أَوْجَبَ ذَلِكَ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ.

فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>