للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَيْسَ فِي يَدِ أَحَدٍ غَيْرِهِمَا، وَلَا فِي أَيْدِيهِمَا، أَوْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا جَمِيعًا، فَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ يُقْرَعُ عَلَى الْيَمِينِ، وَلَا تَجُوزُ قِسْمَتُهُ بَيْنَهُمَا فَيَكُونُ ذَلِكَ ظُلْمًا مَقْطُوعًا بِهِ، وَقَضِيَّةَ جَوْرٍ بِلَا شَكٍّ فِيهَا، وَهَذَا لَا يَحِلُّ أَصْلًا، قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: ٢] وَالْجَوْرُ الْمُتَيَقَّنُ إثْمٌ وَعُدْوَانٌ لَا شَكَّ فِيهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ - فَسَوَاءٌ كَانَ الشَّيْءُ فِي أَيْدِيهِمَا مَعًا، أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: هُوَ بَيْنَهُمَا بِنِصْفَيْنِ مَعَ أَيْمَانِهِمَا.

وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يُقِيمَا بَيِّنَةً وَالشَّيْءُ فِي أَيْدِيهِمَا مَعًا وَلَيْسَ فِي أَيْدِيهِمَا وَلَا مُدَّعِيَ لَهُ سِوَاهُمَا، فَأَيُّهُمَا نَكَلَ قُضِيَ بِهِ لِلَّذِي حَلَفَ.

فَإِنْ وَقَّتَتْ كِلْتَا الْبَيِّنَتَيْنِ قُضِيَ بِهِ لِصَاحِبِ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ.

فَإِنْ وَقَّتَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ وَلَمْ تُوَقِّتْ الْأُخْرَى قُضِيَ بِهِ بَيْنَهُمَا.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: قُضِيَ بِهِ لِلَّذِي وَقَّتَتْ بَيِّنَتُهُ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: بَلْ لِلَّذِي لَمْ تُوَقِّتْ بَيِّنَتُهُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّ مَا خَالَفَ مِمَّا ذَكَرْنَا حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي أَوْرَدْنَا فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ - وَقَالَ مَالِكٌ: يُقْضَى بِأَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ.

قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ بُرْهَانُ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا يُؤَيِّدُهُ قِيَاسٌ، وَإِنَّمَا كُلِّفْنَا عَدَالَةَ الشُّهُودِ فَقَطْ، وَلَا فَضْلَ فِي ذَلِكَ لِأَعْدَلِ الْبَرِيَّةِ عَلَى عَدْلٍ، وَهُمْ مُقِرُّونَ بِأَنَّهُ لَوْ شَهِدَ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِطَلَاقٍ، فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى بِذَلِكَ، فَلَوْ شَهِدَ بِهِ عَدْلَانِ مِنْ عُرْضِ النَّاسِ قُضِيَ بِهِ.

وَأَيْنَ تَرْجِيحُ أَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ؟ وَهَذَا قَوْلٌ خَالَفَ فِيهِ كُلُّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَفْظَةً مِنْ الصَّحَابَةِ إنَّمَا رُوِيَ الْقَوْلُ بِأَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ: فَإِنْ تَكَافَأَتْ فِي الْعَدَالَةِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا.

وَجَاءَ عَنْ عَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ - وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ تَغْلِيبُ أَكْثَرِ الْبَيِّنَتَيْنِ عَدَدًا - وَقَالَ بِهِ الْأَوْزَاعِيِّ إذَا تَكَافَأَ عَدَدُهُمَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>