للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا خَبَرٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ

وَاحْتَجَّ مَنْ أَبَاحَ الْعَزْلَ بِخَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ الَّذِي فِيهِ «لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا»

قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا خَبَرٌ إلَى النَّهْيِ أَقْرَبُ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ - وَاحْتَجُّوا بِتَكْذِيبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلَ يَهُودَ: هُوَ الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى وَبِأَخْبَارٍ أُخَرَ لَا تَصِحُّ

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: يُعَارِضُهَا خَبَرُ جُدَامَةَ الَّذِي أَوْرَدْنَا، وَقَدْ عَلِمْنَا بِيَقِينٍ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ فَأَصْلُهُ الْإِبَاحَةُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: ٢٩] وَعَلَى هَذَا كَانَ كُلُّ شَيْءٍ حَلَالًا حَتَّى نَزَلَ التَّحْرِيمُ قَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: ١١٩]

فَصَحَّ أَنَّ خَبَرَ جُدَامَةَ بِالتَّحْرِيمِ هُوَ النَّاسِخُ لِجَمِيعِ الْإِبَاحَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ الَّتِي لَا شَكَّ فِي أَنَّهَا قَبْلَ الْبَعْثِ وَبَعْدَ الْبَعْثِ، وَهَذَا أَمْرٌ مُتَيَقَّنٌ، لِأَنَّهُ أَخْبَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ، وَالْوَأْدُ مُحَرَّمٌ، فَقَدْ نَسَخَ الْإِبَاحَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ بِيَقِينٍ.

فَمَنْ ادَّعَى أَنَّ تِلْكَ الْإِبَاحَةَ الْمَنْسُوخَةَ قَدْ عَادَتْ، وَأَنَّ النَّسْخَ الْمُتَيَقَّنَ قَدْ بَطَلَ فَقَدْ ادَّعَى الْبَاطِلَ، وَقَفَا مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَأَتَى بِمَا لَا دَلِيلَ لَهُ عَلَيْهِ، قَالَ تَعَالَى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: ١١١]

وَقَدْ جَاءَتْ الْإِبَاحَةُ لِلْعَزْلِ صَحِيحَةً عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>