للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ أَعْطَاهَا أَكْثَرَ، فَإِنْ مَاتَتْ، أَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا، أَوْ أَتَمَّتْ عِدَّتَهَا وَعِنْدَهَا فَضْلُ يَوْمٍ أَوْ غَدَاءٍ أَوْ عَشَاءٌ: قُضِيَ عَلَيْهَا بِرَدِّهِ إلَيْهِ. وَهُوَ فِي الْمَيْتَةِ مِنْ رَأْسِ مَالِهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حَقِّهَا قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا جَعْلُهُ عِنْدَهَا عِدَّةً لِوَقْتِ مَجِيءِ اسْتِحْقَاقِهَا إيَّاهُ، فَإِذَا لَمْ يَأْتِ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَهَا عَلَيْهِ نَفَقَةٌ فَهُوَ عِنْدَهَا أَمَانَةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: ٥٨] وَلَا ظُلْمَ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ لَا يُقْضَى عَلَيْهَا بِرَدِّ مَا لَمْ تَسْتَحِقَّهُ قَبْلَهُ. وَأَمَّا الْكِسْوَةُ - فَإِنَّهَا إذَا وَجَبَتْ لَهَا فَهِيَ حَقُّهَا، وَإِذْ هُوَ حَقُّهَا فَهُوَ لَهَا، فَسَوَاءٌ مَاتَتْ إثْرَ ذَلِكَ أَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، أَوْ أَتَمَّتْ عِدَّتَهَا، أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا: لَيْسَ عَلَيْهَا رَدُّهَا، لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهَا رَدُّهَا لَكَانَتْ غَيْرَ مَالِكَةٍ لَهَا حِينَ تَجِبُ لَهَا - وَهَذَا بَاطِلٌ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَخْلَقَتْ ثِيَابَهَا أَوْ أَصَابَتْهَا وَلَيْسَتْ مِنْ مَالِهَا فَهِيَ لَهَا، فَإِذَا جَاءَ الْوَقْتُ الَّذِي يُعْهَدُ فِي مِثْلِهِ إخْلَاقُ تِلْكَ الْكِسْوَةِ فَهِيَ لَهَا، وَيُقْضَى لَهَا عَلَيْهِ بِأُخْرَى - فَلَوْ امْتَهَنَتْهَا ضِرَارًا أَوْ فَسَادًا حَتَّى أُخْلِقَتْ قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي يُعْهَدُ فِيهِ إخْلَاقُ مِثْلِهَا فَلَا شَيْءَ لَهَا عَلَيْهِ، إنَّمَا عَلَيْهِ رِزْقُهَا وَكِسْوَتُهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْمَعْرُوفُ هُوَ الَّذِي قُلْنَا.

وَأَمَّا الْوِطَاءُ وَالْغِطَاءُ - فَبِخِلَافِ ذَلِكَ، لِأَنَّ عَلَيْهِ إسْكَانَهَا، فَإِذْ عَلَيْهِ إسْكَانُهَا فَعَلَيْهِ مِنْ الْفُرُشِ وَالْغِطَاءِ مَا يَكُونُ دَافِعًا لِضَرَرِ الْأَرْضِ عَنْ السَّاكِنِ فَهُوَ لَهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى كِسْوَتَهَا - وَبَيَّنَ ذَلِكَ الْخَبَرَ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ قَبْلُ مُسْنَدًا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَلَّا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَهُ» . فَنُسِبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْفُرُشُ إلَى الزَّوْجِ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ لَهَا بِهِ، وَهُوَ لِلزَّوْجِ لَا تَمْلِكُهُ هِيَ، وَمَنْ قَضَى لَهَا بِأَكْثَرَ مِنْ نَفَقَةِ الْمُيَاوَمَةِ فَقَدْ قَضَى بِالظُّلْمِ الَّذِي لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَنَسْأَلُهُ عَنْ أَنْ يَحُدَّ فِي ذَلِكَ حَدًّا، فَأَيُّ حَدٍّ حُدَّ - مِنْ جُمُعَةٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ -: كُلِّفَ الْبُرْهَانُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْقُرْآنِ، أَوْ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَجِدُهُ. فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مُحَمَّدٌ نا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ نا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ الْحَدَثَانِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَبِيعُ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَيَحْبِسُ لِأَهْلِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>