للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُولُ: نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ - هُوَ الضَّرِيرُ - وَوَكِيعٌ، قَالَا جَمِيعًا: نا الْأَعْمَشُ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ ابْتِدَاءَ الْعَدَدِ مِنْ حِينِ وُقُوعِ النُّطْفَةِ، وَبِلَا شَكٍّ أَنَّ الدَّقِيقَةَ الَّتِي تَقَعُ فِيهَا النُّطْفَةُ فِي الرَّحِمِ هِيَ غَيْرُ الدَّقِيقَةِ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا مَنِيُّ الْوَاطِئِ الثَّانِي، فَلَوْ جَازَ أَنْ يُجْمَعَ الْمَاءَانِ فَيَصِيرَ مِنْهُمَا وَلَدٌ وَاحِدٌ، لَكَانَ الْعَدَدُ مَكْذُوبًا فِيهِ، لِأَنَّهُ إنْ عَدَّ مِنْ حِينِ وُقُوعِ النُّطْفَةِ الْأُولَى، فَهُوَ لِلْأَوَّلِ وَحْدَهُ فَلَوْ اسْتَضَافَ إلَيْهِ الثَّانِيَ لَابْتَدَأَ الْعَدَدُ مِنْ حِينِ حُلُولِ الْمَنِيِّ الثَّانِي، فَكَانَ يَكُونُ فِي بَعْضِ الْأَرْبَعِينَ يَوْمًا نَقْصٌ وَزِيَادَةٌ بِلَا شَكٍّ، وَهُمْ أَوْلَى بِالْكَذِبِ وَأَهْلِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّادِقِ.

وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَمْ يَحْكُمْ أَبُو حَنِيفَةَ بِأَنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ ابْنَ امْرَأَتَيْنِ مُحَقِّقًا: أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَلَدَتْهُ، لَكِنْ أَوْجَبَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَقَّ الْأُمُومَةِ؟ .

فَقُلْنَا: وَهَذَا جَوْرٌ وَظُلْمٌ وَبَاطِلٌ بِلَا شَكٍّ أَنْ يُوجَبَ لِغَيْرِ أُمٍّ حُكْمُ أُمٍّ بِلَا نَصِّ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا قَوْلِ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَهُ إلَّا الرَّأْيَ الْفَاسِدَ - وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ.

وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنْ تَدَاعَى فِي الْوَلَدِ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ: أُلْحِقَ بِالْمُسْلِمِ، فَلِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم: ٣٠] .

وَالثَّابِتُ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» .

وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَلَى الْمِلَّةِ: حَتَّى يَكُونَ أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ أَوْ يُشَرِّكَانِهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْقَلَ عَمَّا وُلِدَ عَلَيْهِ مِنْ الْفِطْرَةِ الَّتِي وُلِدَ عَلَيْهَا إلَّا بِيَقِينِ كَوْنِ الْفِرَاشِ لِكَافِرٍ بِلَا إشْكَالٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>