للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْله تَعَالَى: {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: ٢٣٣] وَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ وُجُوبِ الرَّحْمَةِ.

وَأَمَّا قَوْلُنَا - كُلُّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَالِدِ فِي الرَّضَاعِ مِنْ أُجْرَةٍ أَوْ كِسْوَةٍ أَوْ نَفَقَةٍ، وَهِيَ الرِّزْقُ - فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ - كَانَ لِلرَّضِيعِ مَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ لَمْ تَكُنْ، زَوَّجَهَا أَبُوهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ - بِخِلَافِ النَّفَقَةِ عَلَى الْفَطِيمِ أَوْ الْفَطِيمَةِ؛ فَلِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوْجَبَ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا.

وَلَمْ يَسْتَثْنِ إنْ كَانَ لِلرَّضِيعِ مَالٌ، وَلَا إنْ كَانَتْ صَغِيرَةً وَلَهَا زَوْجٌ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: ٦٤] .

وَأَوْجَبَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مِنْ مَالِهِ، وَعَلَى الزَّوْجِ لِلزَّوْجَةِ، وَلَا يَجُوزُ ضَرْبُ أَوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: ٨٢] .

وَأَمَّا قَوْلُنَا - فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ فَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَالِدِ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ كِسْوَةٍ أَوْ أُجْرَةٍ فَهُوَ عَلَى وَارِثِ الرَّضِيعِ إنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ عَلَى عَدَدِهِمْ، لَا عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ مِنْهُ لَوْ مَاتَ - وَالْأُمُّ مِنْ جُمْلَتِهِمْ إنْ كَانَتْ تَرِثُهُ إنْ مَاتَ - وَزَوْجُ الصَّغِيرَةِ الْمُرْضِعِ أَيْضًا مِنْ جُمْلَتِهِمْ - إنْ كَانَ يَرِثُهَا لَوْ مَاتَتْ - سَوَاءٌ كَانَ لِلرَّضِيعِ أَوْ الرَّضِيعَةِ مَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ - بِخِلَافِ نَفَقَتِهِمَا وَكِسْوَتِهِمَا بَعْدَ الْفِطَامِ فَلِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: ٢٣٣] .

فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا عَلَى الْوَارِثِ أَنْ لَا يُضَارَّ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا أَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ؟

قُلْنَا: نَعَمْ، وَمِنْ الْمُضَارَّةِ تَرْكُ الرَّضِيعِ يَضِيعُ، وَكَيْفَ وقَوْله تَعَالَى: {مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: ٢٣٣] لَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي بِهَا خَاطَبَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَنَّ ذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى الْأَبْعَدِ لَا إلَى - الْأَقْرَبِ - فَصَحَّ أَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى الرِّزْقِ، وَالْكِسْوَةِ يَقِينًا.

وَقَدْ ذَكَرْنَا مَنْ قَالَ بِهَذَا فِي " كِتَابِ النَّفَقَاتِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ كَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَغَيْرِهِمَا - وَلَا حُجَّةَ لِمَنْ خَالَفَ ذَلِكَ مَعَ الْقُرْآنِ.

وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ عُمَرَ، وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَهُمْ يُشَنِّعُونَ هَذَا إذَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>