للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ - إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَاتَ وَهُوَ مِمَّا يُقْرَأُ مَعَ الْقُرْآنِ بِحُرُوفِ الْجَرِّ يُبْدَلُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، وَمِمَّا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ الَّذِي بَطَلَ أَنْ يُكْتَبَ فِي الْمَصَاحِفِ، وَبَقِيَ حُكْمُهُ، كَآيَةِ الرَّجْمِ سَوَاءً سَوَاءً - فَبَطَلَ اعْتِرَاضُهُمْ الْمَذْكُورُ.

وَاعْتَرَضُوا عَلَى الْخَبَرِ الثَّابِتِ الَّذِي فِيهِ «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ وَلَا الرَّضْعَةُ وَلَا الرَّضْعَتَانِ» بِأَنْ قَالُوا: هُوَ خَبَرٌ مُضْطَرِبٌ فِي سَنَدِهِ، فَمَرَّةً عَنْ عَائِشَةَ، وَمَرَّةً عَنْ الزُّبَيْرِ؟

فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا؟ هَذَا قُوَّةٌ لِلْخَبَرِ أَنْ يُرْوَى مِنْ طُرُقٍ، وَمَا يَعْتَرِضُ بِهَذَا فِي الْآثَارِ إلَّا جَاهِلٌ بِمَا يَجِبُ فِي قَوْلِ النَّقْلِ الثَّابِتِ؛ لِأَنَّهُ اعْتِرَاضٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ أَصْلًا، إنَّمَا هُوَ دَعْوَى فَاسِدَةٌ.

وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّهُمْ يَعِيبُونَ الْأَخْبَارَ الثَّابِتَةَ بِنَقْلِهَا مَرَّةً عَنْ صَاحِبٍ، وَمَرَّةً عَنْ آخَرَ، ثُمَّ لَا يُفَكِّرُ الْحَنَفِيُّونَ فِي أَخْذِهِمْ بِحَدِيثِ أَيْمَنَ فِيمَا تُقْطَعُ فِيهِ يَدُ السَّارِقِ، وَهُوَ حَدِيثٌ سَاقِطٌ مُضْطَرِبٌ فِيهِ أَشَدُّ الِاضْطِرَابِ.

وَلَا يُفَكِّرُ الْمَالِكِيُّونَ فِي أَخْذِهِمْ فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ رُبُعِ الدِّينَارِ.

وَفِي الصَّدَقَةِ فِي الْفِطْرِ بِخَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ، وَكِلَاهُمَا أَشَدُّ اضْطِرَابًا مِنْ خَبَرِ الرَّضْعَتَيْنِ، وَلَكِنَّهُمْ يَتَعَلَّقُونَ بِمَا أَمْكَنَهُمْ.

وَقَالُوا: عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَحَدُ رُوَاةِ ذَلِكَ الْخَبَرِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ: أَنَّ قَلِيلَ الرَّضَاعِ وَكَثِيرَهُ لَا يُحَرِّمُ؟ فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا؟ إنَّمَا الْحُجَّةُ فِي رِوَايَتِهِ لَا رَأْيِهِ، وَقَدْ أَفْرَدْنَا فِي كِتَابِنَا الْمَعْرُوفِ بِ " الْإِعْرَابِ " اضْطِرَابَ الطَّائِفَتَيْنِ فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَأَخْذَهُمْ بِرِوَايَةِ الرَّاوِي وَتَرْكَهُمْ لِرَأْيِهِ فِي خِلَافِهِ لِمَا رَوَاهُ.

وَذَكَرُوا أَيْضًا - اعْتِرَاضَاتٍ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالْغَثَاثَةِ، لَا يَخْفَى سُقُوطُهَا عَلَى ذِي فَهْمٍ، عُمْدَتُهَا مَا ذَكَرْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -.

فَوَجَبَ الْأَخْذ بِهَذِهِ الْأَخْبَار، وَلَمَّا كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ «لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَلَا الرَّضْعَتَانِ وَلَا الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ» عَلِمْنَا أَنَّ الْمَصَّةَ غَيْرُ الرَّضْعَةِ، فَمِنْ ذَلِكَ قُلْنَا: إنَّ اسْتِنْفَادَ الرَّاضِعِ مَا فِي الثَّدْيَيْنِ مُتَّصِلًا رَضْعَةٌ وَاحِدَةٌ، وَأَنَّ الْمَصَّةَ لَا تُحَرِّمُ، إلَّا إذَا عَلِمْنَا أَنَّهَا قَدْ سَدَّتْ مَسَدًّا مِنْ الْجُوعِ وَلَا يُوقَنُ بِوُصُولِهَا إلَى الْأَمْعَاءِ، وَأَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ ذَلِكَ الَّذِي لَا يَسُدُّ مَسَدًّا مِنْ الْجُوعِ، وَلَا يُوقَنُ بِوُصُولِهِ إلَى الْأَمْعَاءِ لَا يُحَرِّمُ شَيْئًا أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>