للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا هَذِهِ الْآيَةُ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهَا أَصْلًا، لِأَنَّ نَصَّهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً} [النساء: ٩٢] إلَى قَوْله تَعَالَى: {عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢] .

فَصَحَّ بِنَصِّ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ نَصًّا جَلِيًّا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُتَأَوَّلَ فِيهِ شَيْءٌ، أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُؤْمِنِ الْمَقْتُولِ خَطَأً فَقَطْ.

ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢] فَصَحَّ بِالضَّرُورَةِ الَّتِي لَا مَدْخَلَ لِلشَّكِّ فِيهَا أَنَّ فِي {كَانَ} [النساء: ٩٢] مِنْ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ} [النساء: ٩٢] ضَمِيرٌ رَاجِعٌ إلَى أَوَّلِ مَذْكُورٍ، لَا يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ، فَإِذْ لَا بُدَّ مِنْ هَذَا، وَالضَّمِيرُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ لَا يَرْجِعُ إلَّا إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ قَبْلَهُ، إلَّا بِبُرْهَانٍ يَدُلُّ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ أَقْرَبُ مَذْكُورٍ وَلَا أَبْعَدُ مَذْكُورٍ، إلَّا الْمُؤْمِنَ الْمَقْتُولَ خَطَأً فَقَطْ.

فَصَحَّ بِيَقِينٍ لَا إشْكَالَ فِيهِ: أَنَّ مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} [النساء: ٩٢] أَنَّهُ مُؤْمِنٌ يُقْتَلُ خَطَأً، كَمَا قَالَ الْحَسَنُ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ.

وَصَحَّ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} [النساء: ٩٢] إنَّمَا هُوَ فِي قَوْمٍ إذَا كَانَ سُكْنَاهُ فِيهِمْ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ حَكَمَ بِأَنْ لَا يَرِثَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ، وَأَنَّ الدِّيَةَ مَوْرُوثَةٌ -.

فَبَطَلَ بِيَقِينٍ أَنْ يَرِثَ الْكُفَّارُ الذِّمِّيُّونَ ابْنَ عَمِّهِمْ الْمُؤْمِنَ.

وَالدِّيَةُ فِي الْعَمْدِ إنَّمَا وَجَبَتْ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ١٧٨] وَبِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إمَّا أَنْ يُودَى، وَإِمَّا يُقَادَ» فَصَحَّ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ: أَنَّهُ لَا دِيَةَ فِي الْعَمْدِ إلَّا حَيْثُ يَكُونُ الْقَوَدُ يَقِينًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>