للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَظِيمِ تَنَاقُضِهِ، إذْ لَمْ يَرَ عَمْدَ الْخَطَأِ إلَّا فِي النَّفْسِ، وَلَمْ يَرَهُ فِيمَا دُونَهَا؟ فَإِنْ قَالَ: لَمْ تَرِدْ الْأَخْبَارُ إلَّا فِي النَّفْسِ؟ قُلْنَا: قَدْ خَالَفْتَهَا كُلَّهَا فِيمَا فِيهَا كَمَا بَيَّنَّا قَبْلُ، وَفَسَادُ تَقْسِيمِهِ الَّذِي لَا خَفَاءَ بِهِ، وَلَمْ يَرَ فِي ذَلِكَ تَغْلِيظًا إلَّا فِي أَسْنَانِ الْإِبِلِ خَاصَّةً، لَا فِي الدَّنَانِيرِ، وَلَا فِي الدَّرَاهِمِ، فَأَيْنَ قِيَاسُهُ الَّذِي يُحَرِّمُ بِهِ وَيُحَلِّلُ، وَيَتْرُكُ لَهُ الْقُرْآنَ، وَالسُّنَنَ؟ وَرَأَى عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ: الدِّيَةَ فِي ذَلِكَ فِي مَالِ الْجَانِي، وَلَمْ يَرَ هُوَ - يَعْنِي الْبَتِّيَّ - وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ شَبِيهَ الْعَمْدِ، إلَّا مَنْ ضَرَبَ بِمَا لَا يُمَاتُ مِنْ مِثْلِهِ - وَأَمَّا مَا يُمَاتُ مِنْ مِثْلِهِ فَفِيهِ عِنْدَهُمْ الْقَوَدُ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.

وَالدِّيَةُ عِنْدَهُمْ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ - كَمَا رُوِّينَا آنِفًا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَالْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ.

وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ نَحْوُ قَوْلِنَا جَمَاعَةٌ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ جَرْوَةَ بْنِ حَمِيلٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إلَى أَخِيهِ فَيَضْرِبُهُ بِمِثْلِ آكِلَةِ اللَّحْمِ، لَا أُوتَى بِرَجُلٍ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَتَلَ إلَّا أَقَدْته بِهِ. وَرُوِّينَا أَيْضًا عَنْهُ: أَنَّهُ أَقَادَ مِنْ رَجُلٍ جَبَذَ شَعْرَ آخَرَ جَبْذًا شَدِيدًا فَوَرِمَ عُنُقُهُ فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ.

وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَقَادَ مِنْ رَجُلٍ خَنَقَ صَبِيًّا حَتَّى مَاتَ. وَصَحَّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ الْقَوَدُ مِمَّنْ قَتَلَ بِحَجَرٍ، أَوْ عَصًا - وَهُوَ قَوْلُ رَبِيعَةَ، وَمَالِكٍ، وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَقَدْ تَنَاقَضُوا هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْمُرْسَلَ عِنْدَهُمْ كَالْمُسْنَدِ، وَخَالَفُوا هَاهُنَا الْمَرَاسِيلَ، وَجُمْهُورَ الصَّحَابَةِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَأَمَّا قَوْلُنَا " إنْ أَبَى الْوَلِيُّ إلَّا أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ: لَمْ يَلْزَمْ الْقَاتِلَ ذَلِكَ، إلَّا بِتَرَاضٍ مِنْهُ مَعَ الْوَلِيِّ، وَإِلَّا فَلَا " فَلِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ لِلْوَلِيِّ: قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَإِنَّمَا أَلْزَمْنَا الْقَاتِلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>