للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُمْ: فِي كُلِّ جَفْنٍ مِنْ أَجْفَانِ الْعَيْنِ نِصْفُ دِيَةِ الْعَيْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ نُتِفَتْ الْأَهْدَابُ فَلَمْ تَنْبُت فَفِيهَا حُكُومَةٌ.

وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَصْحَابُهُ: لَيْسَ فِي شَفْرِ الْعَيْنِ وَحِجَابِهَا إلَّا اجْتِهَادُ الْإِمَامِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَمُخَالِفٌ لِأُصُولِ أَصْحَابِهِ، لِأَنَّهُمْ يُعَظِّمُونَ عَلَى خُصُومِهِمْ خِلَافَ الصَّاحِبِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ، وَهَاهُنَا خَالَفُوا قَوْلَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ.

وَيَحْتَجُّونَ بِقَوْلِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إذَا خَالَفَ قَوْلَ خُصُومِهِمْ وَوَافَقَهُمْ - وَهَاهُنَا خَالَفُوا حُكْمَهُ، وَقَوْلَهُ، وَإِجْمَاعَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، وَأَهْلِ عَصْرِهِ لَهُ بِأَصَحِّ إسْنَادٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ أَوْجَبُوا غَرَامَةَ حُكُومَةٍ فِي ذَلِكَ - وَلَا يُعْرَفُ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ.

قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا نَحْنُ - فَلَا حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَلَامِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِلَّا فَالْأَمْوَالُ مُحَرَّمَةٌ، فَلَا يَجِبُ هَاهُنَا فِي الْخَطَأِ شَيْءٌ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: ٥] ، وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» .

فَقَأَ عَيْنَ إنْسَانٍ ثُمَّ مَاتَ الْفَاقِئُ

قَالَ عَلِيٌّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونَ نا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ فَقَأَ عَيْنَ رَجُلٍ فَقَامَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ فَقَتَلَ الْفَاقِئَ غَضَبًا لِابْنِ عَمِّهِ؟ قَالَ: يُقْتَلُ الْقَاتِلُ بِمَنْ قَتَلَ، وَلَا شَيْءَ لِلْمَفْقُوءَةِ عَيْنُهُ - وَقَدْ فَاتَهُ الْقَوَدُ.

قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَبَلَغَنِي عَنْ رَبِيعَةَ: أَنَّهُ قَالَ فِي أَعْمَى فَقَأَ عَيْنَ صَحِيحٍ، أَوْ عَيْنَيْهِ جَمِيعًا؟ قَالَ: مَا فِيهِ مَأْخَذٌ لِقَوَدٍ: عَلَيْهِ الدِّيَةُ قَالَ عَلِيٌّ: هَاتَانِ فُتْيَتَانِ مُتَنَاقِضَتَانِ، لِأَنَّهُ أَوْجَبَ الدِّيَةَ فِي عَيْنٍ فُقِئَتْ عَمْدًا لِأَجْلِ امْتِنَاعِ الْقَوَدِ فِي إحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَلَمْ يُوجِبْ فِي الْأُخْرَى دِيَةً لِأَجْلِ امْتِنَاعٍ مِنْ الْقَوَدِ أَيْضًا - هَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ، لَا يُؤَيِّدُهُ نَصٌّ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا خَبَرٌ عَنْ صَاحِبٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>