للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْآخَرُونَ الَّذِينَ أَمْسَكُوهُ فَيُعَاقَبُونَ عُقُوبَةً مُوجِعَةً مُنَكِّلَةً، فَإِنْ اسْتَحَبَّ الْمُصَابُ الدِّيَةَ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ يَغْرَمُونَهَا جَمِيعًا سَوَاءٌ.

قَالَ يُونُسُ: وَقَالَ رَبِيعَةُ إنْ أَحَبَّ الَّذِي فُقِئَتْ عَيْنَاهُ الدِّيَةَ فَلَهُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فِي عَيْنَيْهِ - فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَمْسَكُوهُ إنَّمَا أَمْسَكُوهُ لِيَفْقَأَ عَيْنَيْهِ فَعَلَيْهِمْ الدِّيَةُ جَمِيعًا - وَإِنْ كَانُوا أَمْسَكُوهُ لِيَصُكَّهُ، أَوْ لِيَضْرِبَهُ، لَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ فَقْءَ عَيْنَيْهِ، فَالدِّيَةُ عَلَى الَّذِي فَقَأَ عَيْنَيْهِ دُونَ أَصْحَابِهِ.

قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ ابْنُ سَمْعَانَ: قَالَ رَبِيعَةُ: إنْ أَرَادَ الْقَوَدَ أُقِيدَ مِنْهُمْ جَمِيعًا، مِمَّنْ بَاشَرَ ذَلِكَ، وَمِمَّنْ أَمْسَكَهُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا إيجَابُ الدِّيَةِ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ، وَالْمَنْعُ مِنْ الْقَوَدِ مِنْهُمْ كُلِّهِمْ: فَخَطَأٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ، وَتَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ، لِأَنَّهُمْ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ فَقَأَهُ أَوْ لَمْ يَفْقَأْهُ كُلُّهُمْ، لَكِنْ مَنْ بَاشَرَهُ خَاصَّةً، لَا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ - فَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ فَقَأَ عَيْنَيْهِ فَالْقَوَدُ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ، كَمَا الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ وَلَا فَرْقَ - وَإِنْ كَانُوا لَيْسَ كُلُّهُمْ فَقَأَهُ، لَكِنَّ الْمُبَاشِرَ خَاصَّةً، فَإِلْزَامُ الدِّيَةِ فِي ذَلِكَ مَنْ لَمْ يَفْقَأْ وَلَا كَسَرَ وَلَا قَطَعَ خَطَأٌ - وَهَذَا لَا خَفَاءَ بِهِ.

وَأَمَّا قَوْلُ رَبِيعَةَ فِي إيجَابِ الْقَوَدِ عَلَى جَمِيعِهِمْ، أَوْ الدِّيَةِ عَلَى جَمِيعِهِمْ، فَلَمْ يَتَنَاقَضْ وَلَكِنَّهُ خَطَأٌ، لِأَنَّ الْمُمْسِكَ آخَرَ لِيَفْقَأ عَيْنَيْهِ، أَوْ لِيَقْطَعَ يَدَهُ، أَوْ لِيَخْصِيَ، أَوْ لِيَجْنِيَ عَلَيْهِ، أَوْ لِيَضْرِبَ، لَا يَقَعُ عَلَيْهِ أَلْبَتَّةَ فِي اللُّغَةِ، وَلَا فِي الشَّرِيعَةِ اسْمُ " فَاقِئٍ " وَلَا اسْمُ " قَاطِعٍ " وَلَا اسْمُ " كَاسِرٍ " وَلَا اسْمُ " ضَارِبٍ " وَإِذَا لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مِنْ هَذَا فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا قَالَ {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤] فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ بِلَا شَكٍّ.

وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ مَالِكٌ شَيْخَيْهِ: رَبِيعَةَ، وَالزُّهْرِيَّ، لِأَنَّهُمَا جَعَلَا فِي جِنَايَةِ الْعَمْدِ فِي الْعَيْنِ الْخِيَارَ بَيْنَ الْقَوَدِ، أَوْ الدِّيَةِ - وَهُوَ لَا يَرَى فِيهَا إلَّا الْقَوَدَ فَقَطْ - وَهُمَا كَبْشَا الْمَدِينَةِ.

قَالَ عَلِيٌّ: وَالْحُكْمُ فِي هَذَا هُوَ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْ الْفَاقِئِ، وَالْكَاسِرِ، وَالْقَاطِعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>