للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَفِي هَذَا الْخَبَرِ الثَّابِتِ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الْحَقَّ فِي طَلَبِ الدَّمِ لِابْنِ الْعَمِّ [لِسِنِّهِ] كَمَا جَعَلَهُ لِلْأَخِ لِلْأَبِ الْوَارِثِ دُونَ ابْنِ الْعَمِّ، وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَدَأَ ابْنُ الْعَمِّ لِسِنِّهِ - فَبَطَلَ بِهَذَا قَوْلُ مَنْ رَاعَى أَنَّ الْحَقَّ لِلْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ، أَوْ لِلْوَارِثِ دُونَ غَيْرِهِ.

وَصَحَّ أَنَّ الْحَقَّ " لِلْأَهْلِ " كَمَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ، وَابْنُ الْعَمِّ مِنْ " الْأَهْلِ " بِلَا شَكٍّ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ - وَهَذَا هُوَ الْإِجْمَاعُ الصَّحِيحُ، لِأَنَّهُ كَانَ بِعِلْمِ الصَّحَابَةِ بِالْمَدِينَةِ، إذْ قَتْلُ مِثْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ، وَقِيَامُ بَنِي حَارِثَةَ فِي طَلَبِ دَمِهِ لَا يُمْكِنُ اسْتِتَارُ مِثْلِهِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ قَوْمِهِ، وَعَنْ الْمُهَاجِرِينَ، فَإِذَا الْحَقُّ لِلْجَمِيعِ سَوَاءٌ، فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُغَلَّبَ أَحَدُهُمْ عَلَى الْآخَرِينَ مِنْهُمْ إلَّا بِنَصٍّ، أَوْ إجْمَاعٍ - وَلَا نَصَّ، وَلَا إجْمَاعَ فِي ذَلِكَ.

ثُمَّ نَظَرْنَا إذَا عَفَا أَحَدُ " الْأَهْلِ " وَلَمْ يَعْفُ غَيْرُهُ مِنْهُمْ بَعْدَ صِحَّةِ الِاتِّفَاقِ مِنْ إجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ إنْ اتَّفَقُوا عَلَى الْقَوَدِ نَفَذَ، وَإِنْ اتَّفَقُوا عَلَى الْعَفْوِ نَفَذَ - وَقِيَامُ الْبُرْهَانِ عَلَى أَنَّهُمْ إنْ اتَّفَقُوا عَلَى الدِّيَةِ أَوْ الْمُفَادَاةِ نَفَذَ ذَلِكَ فَوَجَدْنَا الْقَوَدَ وَالدِّيَةَ قَدْ وَرَدَ التَّخْيِيرُ فِيهِمَا وُرُودًا وَاحِدًا لَيْسَ أَحَدُهُمَا مُقَدَّمًا عَلَى الْآخَرِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُغَلَّبَ عَفْوُ الْعَافِي [عَلَى إرَادَةِ مَنْ أَرَادَ الْقِصَاصَ عَلَى عَفْوِ الْعَافِي] إلَّا بِنَصٍّ " أَوْ إجْمَاعٍ - وَلَا نَصَّ، وَلَا إجْمَاعَ فِي تَغْلِيبِ الْعَافِي - فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤] فَوَجَبَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنْ لَا يَجُوزَ عَفْوُ الْعَافِي عَمَّنْ لَمْ يَعْفُ.

وَوَجَدْنَا الْقَاتِلَ قَدْ حَلَّ دَمُهُ بِنَفْسِ الْقَتْلِ: كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ نا أَبُو دَاوُد سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ مَحْصُورٌ - فَخَرَجَ إلَيْنَا وَهُوَ مُتَغَيِّرٌ لَوْنُهُ فَقَالَ: يَتَوَاعَدُونِي بِالْقَتْلِ آنِفًا، وَبِمَ يَقْتُلُونَنِي؟ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إسْلَامِهِ، أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>