للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَيُحْبَسُ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ فَأَخَّرَهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَوْ وَلِيُّ الدَّمِ حَتَّى يَأْتِيَ شَهْرٌ حَرَامٌ، لِأَنَّهُ قَدْ وَجَبَ أَخْذُهُ بِمَا جَنَى، فَلَا يَنْبَغِي تَسْرِيحُهُ، بَلْ يُوقَفُ بِلَا خِلَافٍ لِلْقَوَدِ، وَيُمْنَعُ مِنْ الِانْطِلَاقِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا الْحُدُودُ فَتُقَامُ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ كُلُّهَا مِنْ رَجْمٍ وَغَيْرِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْتِ عَنْهُ نَصٌّ بِالْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا مِنْ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَتَعْجِيلُ الطَّاعَةِ الْمُفْتَرَضَةِ فِي إقَامَةِ الْحُدُودِ وَاجِبٌ بِيَقِينٍ، نَدْرِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ تَأْخِيرَ ذَلِكَ عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ لَبَيَّنَهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي الْحَرَمِ بِمَكَّةَ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ فَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ مَا أَرَادَ قَطُّ أَنْ لَا تُقَامَ الْحُدُودُ إلَّا فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: ٦٤] وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَةٌ مُقَاتَلَةُ مَنْ مَرَّ أَمَامَ الْمُصَلِّي]

٢٠٩٢ - مَسْأَلَةٌ: مُقَاتَلَةُ مَنْ مَرَّ أَمَامَ الْمُصَلِّي؟ قَالَ عَلِيٌّ: مَنْ أَرَادَ الْمُرُورَ أَمَامَ الْمُصَلِّي إلَى سُتْرَةٍ أَوْ غَيْرِ سُتْرَةٍ، فَأَرَادَ إنْسَانٌ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سُتْرَتِهِ، أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَى سُتْرَةٍ فَلْيَدْفَعْهُ، فَإِنْ انْدَفَعَ وَإِلَّا فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنْ دَفَعَهُ فَوَافَقَتْ مَنِيَّةُ الْمُرِيدِ لِلْمُرُورِ فَدَمُهُ هَدَرَ، وَلَا شَيْءَ فِيهِ، لَا قَوَدَ، وَلَا دِيَةَ، وَلَا كَفَّارَةَ، وَكَذَا إنْ كُسِرَ لَهُ عُضْوٌ وَلَا فَرْقَ، فَإِنْ وَافَقَ فِي ذَلِكَ مَنِيَّةَ الْمُصَلِّي: فَفِيهِ الْقَوَدُ، أَوْ الدِّيَةُ أَوْ الْمُفَادَاةُ.

بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ نا سُلَيْمَانُ - هُوَ ابْنُ الْمُغِيرَةِ - عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: قَالَ أَبُو صَالِحٍ: أُحَدِّثُك عَمَّا رَأَيْت مِنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَسَمِعْته مِنْهُ: دَخَلَ أَبُو سَعِيدٍ عَلَى مَرْوَانَ فَقَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى مَا يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْ فِي نَحْرِهِ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» .

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُصْعَبٍ الصُّورِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُبَارَكِ - هُوَ الصُّورِيُّ - نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ - هُوَ الدَّرَاوَرْدِيُّ - عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فَأَرَادَ ابْنٌ لِمَرْوَانَ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَدَرَأَهُ فَلَمْ يَرْجِعْ، فَضَرَبَهُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>