للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ:

فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا قَاتِلِيهِ فَإِنَّهُ ... سَوَاءٌ عَلَيْنَا مُمْسِكُوهُ وَضَارِبُهُ

قِيلَ لَهُمْ: هَذَا قَوْلٌ جَائِرٌ مُتَعَدٍّ، مُخْبِرٌ عَنْ نِيَّتِهِ فَقَطْ، لَا عَنْ اللُّغَةِ، وَلَا عَنْ الدِّيَانَةِ.

وَبُرْهَانُ هَذَا: قَوْلُهُ فِي هَذَا الشِّعْرِ بَعْدَ هَذَا الْبَيْت:

بَنِي هَاشِمٍ رُدُّوا سِلَاحَ ابْنِ أُخْتِكُمْ ... وَلَا تَنْهَبُوهُ لَا تَحِلَّ مَنَاهِبُهُ

بَنِي هَاشِمٍ كَيْفَ الْهَوَادَةُ بَيْنَنَا ... وَعِنْدَ عَلِيٍّ دِرْعُهُ وَنَجَائِبُهُ

فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا قَاتِلِيهِ فَإِنَّهُ ... سَوَاءٌ عَلَيْنَا قَاتَلُوهُ وَسَالِبُهُ

هُمُو قَتَلُوهُ كَيْ يَكُونُوا مَكَانَهُ ... مَا غَدَرَتْ يَوْمًا بِكِسْرَى مَرَازِبُهُ

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: حَاشَ لِلَّهِ، وَمَعَاذَ اللَّهِ، وَأَبَى اللَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ عَلِيٍّ سَلَبُ عُثْمَانَ وَدِرْعُهُ وَنَجَائِبُهُ، كَمَا قَالَ الْوَلِيدُ الْكَاذِبُ، وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ عَلِيٌّ قَتَلَ عُثْمَانَ لَأَنْ يَكُونَ مَكَانَهُ، أَوْ لِشَيْءٍ فِي الدُّنْيَا، وَعَلِيٌّ أَتْقَى لِلَّهِ مِنْ أَنْ يَقْتُلَ عُثْمَانَ، وَعُثْمَانَ أَتْقَى لِلَّهِ مِنْ أَنْ يَقْتُلَهُ عَلِيٌّ.

ثُمَّ لَوْ احْتَجَجْنَا بِهَذَا الْبَيْتِ لَكَانَ حُجَّةً لَنَا عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ فِيهِ: فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا قَاتِلِيهِ فَإِنَّهُ سَوَاءٌ عَلَيْنَا مُمْسِكُوهُ وَضَارِبُهُ فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ الْمُمْسِكِينَ لَيْسُوا قَاتِلِينَ، فَهَذَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: ثُمَّ نَظَرْنَا فِي غَيْرِهِ فَوَجَدْنَا الْمُمْسِكَ لَيْسَ قَاتِلًا، لَكِنَّهُ حَبَسَ إنْسَانًا حَتَّى مَاتَ.

وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} [البقرة: ١٩٤] ، فَكَانَ الْمُمْسِكُ لِلْقَتْلِ سَبَبًا وَمُتَعَدِّيًا، فَعَلَيْهِ مِثْلُ مَا فَعَلَ، فَوَاجِبٌ أَنْ يُفْعَلَ بِهِ مِثْلُ مَا فَعَلَ، فَيُمْسَكَ مَحْبُوسًا حَتَّى يَمُوتَ - وَبِهَذَا نَقُولُ.

وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ أَثَرٌ مُرْسَلٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>