للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُحْرِمِ يَقْتُلُهُ عَامِدًا، فَقَاسُوا - أَيْضًا - هُنَالِكَ الْخَطَأَ عَلَى الْعَمْدِ، وَهُوَ ضِدُّهُ.

وَأَخْطَئُوا - أَيْضًا - مَعَهُ كُلُّهُمْ فِي قِيَاسِهِمْ تَرْكَ الصَّلَاةِ عَمْدًا عَلَى تَرْكِهَا نِسْيَانًا.

وَقَدْ شَارَكَهُمَا الشَّافِعِيُّ - أَيْضًا - فِي خَطَأٍ آخَرَ فِي هَذَا الْبَابِ، وَهُوَ قَوْلُهُمْ كُلُّهُمْ: أَنْ لَا يُقَاسَ مُتَعَمِّدُ التَّسْلِيمِ مِنْ الصَّلَاةِ قَبْلَ إتْمَامِهَا فِي إيجَابِ السَّجْدَتَيْنِ عَلَيْهِ عَلَى الْمُسَلِّمِ مِنْ الصَّلَاةِ قَبْلَ إتْمَامِهَا نِسْيَانًا فَهَذِهِ صِفَةُ الْقِيَاسِ، وَصِفَةُ أَقْوَالِهِمْ فِي قِيَاسَاتِهِمْ كُلِّهَا: يَهْدِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَيَنْقُضُ بَعْضُهَا بَعْضًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِذْ لَا حُجَّةَ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ عَلَى قَاتِلِ الْعَمْدِ، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ٣٨] ، وَقَالَ تَعَالَى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة: ٣] ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» .

فَصَحَّ أَنَّ الدِّينَ كُلَّهُ قَدْ كَمُلَ وَبَيَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ كَفَّارَةٌ مَحْدُودَةٌ لَبَيَّنَهَا اللَّهُ تَعَالَى، كَمَا بَيَّنَ لَنَا الْكَفَّارَةَ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ.

وَكَمَا بَيَّنَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وُجُودَ الْقَوَدِ، أَوْ الدِّيَةِ، أَوْ الْمُفَادَاةِ، فِي ذَلِكَ.

فَإِذْ لَمْ يُخْبِرْنَا اللَّهُ تَعَالَى بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا أَوْجَبَهُ هُوَ، وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى: أَنَّهُ مَا أَرَادَ قَطُّ كَفَّارَةً مَحْدُودَةً فِي ذَلِكَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: ٤٧] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: ٤٧] ، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: ١١٤] ، فَمَنْ اُبْتُلِيَ بِقَتْلِ مُسْلِمٍ عَمْدًا فَقَدْ اُبْتُلِيَ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الشِّرْكِ، وَتَرْكِ الصَّلَاةِ: فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي خَلَاصِ نَفْسِهِ مِنْ النَّارِ فَلْيُكْثِرْ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ: الْعِتْقِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالْجِهَادِ، وَالْحَجِّ، وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى - فَلَعَلَّهُ يَأْتِي مِنْ ذَلِكَ بِمِقْدَارٍ يُوَازِي إسَاءَتَهُ فِي الْقَتْلِ، فَيَسْقُطَ عَنْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>