للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ قِيَاسٌ مُمَوَّهٌ وَذَلِكَ مَنْ أَدَّبَ امْرَأَتَهُ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَعَدِّيًا - وَضَعَ الْأَدَبَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ - أَوْ غَيْرَ مُتَعَدٍّ.

فَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا فَفِيهِ الْقَوَدُ، وَإِنْ كَانَ وَضَعَ الْأَدَبَ مَوْضِعَهُ، فَلَا سَبِيلَ إلَى أَنْ يَمُوتَ مِنْ ذَلِكَ الْأَدَبِ الَّذِي أُبِيحَ لَهُ، إذْ لَمْ يُبَحْ لَهُ قَطُّ أَنْ يُؤَدِّبَهَا أَدَبًا يُمَاتُ مَعَ مِثْلِهِ، وَمَنْ أَدَّبَ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الْأَدَبِ فَهُوَ ظَالِمٌ مُتَعَدٍّ، وَالْقَوَدُ عَلَيْهِ فِي النَّفْسِ فَمَا دُونَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْلِدَ فِي غَيْرِ حَدٍّ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ جَلَدَاتٍ - عَلَى مَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

كَمَا رُوِّينَا - مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشْرِ جَلَدَاتٍ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى» .

قَالُوا: فَلَمْ يُبَحْ لَهُ فِي الْعَدَدِ أَكْثَرُ مِنْ عَشْرِ جَلَدَاتٍ، وَلَا أُبِيحَ لَهُ جَلْدُهَا بِمَا يَكْسِرُ عَظْمًا، وَيَجْرَحُ جِلْدًا، أَوْ يُعَفِّنُ لَحْمًا؛ لِأَنَّ كُلَّ هَذَا هُوَ غَيْرُ الْجَلْدِ، وَلَمْ يُبَحْ لَهُ إلَّا الْجَلْدُ وَحْدَهُ.

وَبِيَقِينٍ يَدْرِي كُلُّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ أَنَّ عَشْرَ جَلَدَاتٍ لِامْرَأَةٍ صَحِيحَةٍ غَيْرِ مَرِيضَةٍ، وَلَا ضَعِيفَةٍ، وَلَا صَغِيرَةٍ: لَا تَجْرَحُ، وَلَا تَكْسِرُ، وَأَنَّهُ لَا يَمُوتُ مِنْهَا أَحَدٌ.

فَإِنْ وَافَقَتْ مَنِيَّةً فِي خِلَالِ ذَلِكَ أَوْ بَعْدَهُ: فَبِأَجْلِهَا مَاتَتْ، وَلَا دِيَةَ فِي ذَلِكَ، وَلَا قَوَدَ، لِأَنَّنَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهَا لَمْ تَمُتْ مِنْ فِعْلِهِ أَصْلًا.

وَإِنْ تَعَدَّى فِي الْعَدَدِ أَوْ ضَرَبَ بِمَا يَكْسِرُ، أَوْ يَجْرَحُ، أَوْ يُعَفِّنُ فَعَفَنَ، أَوْ جَرَحَ أَوْ كَسَرَ، فَالْقَوَدُ فِي كُلِّ ذَلِكَ فِي الْعَمْدِ، فِي النَّفْسِ فَمَا دُونَهَا، أَوْ الدِّيَةُ فِيمَا لَمْ يَعْمِدْهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الْمُقْتَصَّ مِنْهُ إنَّمَا أُبِيحَ عُضْوُهُ، أَوْ بَشَرَتُهُ وَلَمْ يُبَحْ دَمُهُ - فَصَحَّ أَنَّهُ إنْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ مَقْتُولٌ خَطَأً، فَفِيهِ الدِّيَةُ - فَإِنَّ هَذَا قَوْلٌ غَيْرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>