للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوَابِلَ عُدُولٍ، فَإِنَّ فِيهِ: غُرَّةَ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ جَنِينٌ قُتِلَ، فَهَذِهِ هِيَ دِيَتُهُ، وَالْكَفَّارَةُ وَاجِبَةٌ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء: ٩٢] ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً.

وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الرُّوحَ يُنْفَخُ فِيهِ بَعْدَ مِائَةِ لَيْلَةٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً - وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ وَهَذَا نَصُّ الْقُرْآنِ، وَقَدْ وَافَقَنَا عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُوجِبْ هَاهُنَا كَفَّارَةً؟ قُلْنَا: لَمْ يَأْتِ لَهَا ذِكْرٌ فِي حَدِيثِ الْجَنِينِ، وَلَيْسَتْ السُّنَنُ كُلُّهَا مَأْخُوذَةً مِنْ آيَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا مِنْ سُورَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا مِنْ حَدِيثٍ وَاحِدٍ، وَإِذْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ خَطَأً كَفَّارَةً، وَأَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ عِبَادَهُ حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ فَهُوَ إذْ خَلَقَ اللَّهُ فِيهِ الرُّوحَ فَهُوَ مُؤْمِنٌ حَنِيفٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، فَفِيهِ الْكَفَّارَةُ.

وَهَذِهِ الْآيَةُ زَائِدَةُ شَرْعٍ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ الْجَنِينِ، وَأَوَامِرُ اللَّهِ تَعَالَى مَقْبُولَةٌ كُلُّهَا، لَا يَحِلُّ رَدُّ شَيْءٍ لِشَيْءٍ مِنْهَا أَصْلًا - وَمَنْ خَالَفَ هَذَا فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى فِيمَا أَمَرَ بِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَأَوْجِبُوا فِيهِ حِينَئِذٍ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ، إذْ هِيَ الدِّيَةُ عِنْدَكُمْ؟ .

قُلْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - لَا يَجُوزُ هَذَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا قَالَ {فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: ٩٢] وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ مِقْدَارَ تِلْكَ الدِّيَةِ، لَكِنْ وَكَّلَ تَعَالَى ذَلِكَ إلَى بَيَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفَعَلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَبَيَّنَ لَنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ دِيَةَ مَنْ خَرَجَ إلَى الدُّنْيَا فَقُتِلَ، مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ فِي الْخَبَرِ الثَّابِتِ إذْ وَدَى بِذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

وَبَيَّنَ لَنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّ دِيَةَ الْجَنِينِ بِنَصِّ لَفْظِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " غُرَّةٌ " مِنْ الْعَبِيدِ أَوْ الْإِمَاءِ، وَسَمَّاهُ " دِيَةً ".

كَمَا أَوْرَدْنَا آنِفًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَصَحِّ إسْنَادٍ يَكُونُ فَكَانَتْ الدِّيَةُ مُخْتَلِفَةً لِبَيَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ لَنَا وَكَانَتْ الْكَفَّارَةُ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَحْكَامِ الْكَفَّارَةِ فِي ذَلِكَ؟ فَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْكَفَّارَاتِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>