للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَوْ أَنَّ الْمَجْرُوحَ أَسْلَمَ أَيْضًا ثُمَّ مَاتَ - وَهُوَ مُسْلِمٌ - فَالْقَوَدُ لَهُ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ بِمُؤْمِنٍ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَوْ أَنَّ مُسْلِمًا جَرَحَ ذِمِّيًّا عَمْدًا ظَالِمًا فَأَسْلَمَ الذِّمِّيُّ ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْجُرْحِ فَالْقَوَدُ فِي ذَلِكَ بِالسَّيْفِ خَاصَّةً، وَلَا قَوَدَ فِي الْجُرْحِ لِأَنَّ الْجُرْحَ حَصَلَ، وَلَا قَوَدَ فِيهِ لِلْكَافِرِ {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: ١٤١] فَلَمَّا أَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ مُسْلِمًا مِنْ جِنَايَةِ ظُلْمٍ يُمَاتُ مِنْ مِثْلِهَا: حَصَلَ مَقْتُولًا عَمْدًا - وَهُوَ مُسْلِمٌ - فَفِيهِ مَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

فَلَوْ أَنَّ صَبِيًّا، أَوْ مَجْنُونًا جَرَحَا إنْسَانًا، ثُمَّ عَقَلَ الْمَجْنُونُ وَبَلَغَ الصَّبِيُّ، ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ، فَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ، لَا دِيَةَ، وَلَا قَوَدَ، لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ جِنَايَةِ هَدَرٍ لَا حُكْمَ لَهَا.

فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قُلْتُمْ فِي الَّذِي يَرْمِي حَرْبِيًّا ثُمَّ يُسْلِمُ، ثُمَّ يَمُوتُ: إنَّ فِيهِ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ، فَكَيْفَ تَجْعَلُونَ الدِّيَةَ فِيمَنْ مَاتَ مِنْ جِنَايَةٍ مَأْمُورٍ بِهَا، وَلَا تَجْعَلُونَ الدِّيَةَ فِيمَنْ مَاتَ مِنْ جِنَايَةِ هَذَا؟ فَقَدْ قُلْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: هَكَذَا قُلْنَا؛ لِأَنَّ الْجَانِيَ الْمَأْمُورَ بِتِلْكَ الْجِنَايَةِ مُخَاطَبٌ مُكَلَّفٌ مُلْزَمٌ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ كَفَّارَةً أَوْ كَفَّارَةً وَدِيَةً عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَلَيْسَ الْمَجْنُونُ وَالصَّبِيُّ مُخَاطَبَيْنِ أَصْلًا، وَلَا مُكَلَّفَيْنِ شَرِيعَةً فِي قَتْلِ عَمْدٍ، وَلَا فِي قَتْلِ خَطَأٍ: فَسَقَطَ حُكْمُ كُلِّ مَا عَمِلَا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الشَّرْعِ دُخُولٌ، وَلَمْ يَسْقُطْ مَا فَعَلَهُ الْمُخَاطَبُ الْمُكَلَّفُ الْمَأْمُورُ الْمَنْهِيُّ.

وَلَوْ أَنَّ عَاقِلًا قَتَلَ أَوْ جَرَحَ ثُمَّ جُنَّ فَمَاتَ الْمَجْرُوحُ مِنْ تِلْكَ الْجِنَايَةِ: فَالْقَوَدُ عَلَى الْمَجْنُونِ، أَوْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ، وَلَا مُفَادَاةَ هُنَالِكَ؟ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَوَدَ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ حِينَ جَنَى، وَحُكْمُ تِلْكَ الْجِنَايَةِ لَازِمٌ لَهُ، وَقَدْ يَسْقُطُ عَنْهُ بِذَهَابِ عَقْلِهِ، إذْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ نَصُّ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا إجْمَاعٍ - وَكَذَلِكَ يُقَامُ عَلَيْهِ فِي جُنُونِهِ حَدٌّ لَزِمَهُ فِي حَالِ عَقْلِهِ، وَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ فِي حَالِ عَقْلِهِ كُلُّ حَدٍّ كَانَ مِنْهُ فِي حَالِ جُنُونِهِ، بِلَا خِلَافٍ مِنْ الْأُمَّةِ، وَالسَّكْرَانُ مَجْنُونٌ؟ .

<<  <  ج: ص:  >  >>