للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِذَلِكَ إلَى الْقُضَاةِ فِي الْبِلَادِ، وَمِنْ خُطْبَتِهِ عَلَى الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّ فِي الضِّلْعِ جَمَلًا، وَفِي التَّرْقُوَةِ جَمَلًا.

وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ عُمَرَ قَدْ صَحَّ عَنْهُ لَيْسَ حُجَّةً، وَيَكُونَ قَوْلٌ مَكْذُوبٌ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ حُجَّةً - فَسَقَطَ كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ.

ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ مَا دُونَ نِصْفِ الْعُشْرِ مِنْ الدِّيَةِ فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ حُجَّةً إلَّا أَنْ قَالُوا: إنَّ الْأَمْوَالَ لَا تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا أَرْشٌ مُؤَقَّتٌ لَا يَتَعَدَّى - وَوَجَدْنَا ثُلُثَ الدِّيَةِ تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ؛ لِأَنَّ فِيهَا أَرْشًا مَعْلُومًا لَا يَتَعَدَّى، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ كُلُّ مَا لَهُ أَرْشٌ مَحْدُودٌ فَتَحَمَّلَهُ الْعَاقِلَةُ، وَمَا لَا أَرْشَ لَهُ مَحْدُودًا فَلَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ؟ .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَوْلٌ كَاذِبٌ، وَبَاطِلٌ مَوْضُوعٌ، وَلَا نَدْرِي أَيْنَ وَجَدُوا هَذَا إلَّا بِظُنُونٍ؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم: ٢٨] .

ثُمَّ نَظَرْنَا فِي تَقْسِيمِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَمُرَاعَاةِ مَالِكٍ ثُلُثَ دِيَةِ الْمَرْأَةِ إذَا كَانَتْ هِيَ الْجَانِيَةَ، أَوْ ثُلُثَ دِيَةِ الرَّجُلِ إذَا كَانَ هُوَ الْجَانِيَ، وَمُرَاعَاةِ أَبِي حَنِيفَةَ نِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ فِي الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ خَاصَّةً - رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً - فَوَجَدْنَاهُمَا تَقْسِيمَيْنِ لَمْ يَسْبِقْ أَبَا حَنِيفَةَ إلَى تَقْسِيمِهِ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ نَعْلَمُهُ، وَلَا سَبَقَ مَالِكًا فِي تَقْسِيمِهِ هَذَا أَحَدٌ نَعْلَمُهُ، وَلَئِنْ جَازَ لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ أَنْ يَقُولَا قَوْلًا بِرَأْيِهِمَا لَا يُعْرَفُ لَهُ قَائِلٌ قَبْلَهُمَا، فَمَا حَظَرَ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِمَا، وَلَا أَبَاحَ لَهُمَا مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يُبِحْهُ لِكُلِّ مُسْلِمٍ دُونَهُمَا، لَا سِيَّمَا مَنْ قَالَ بِمَا أَوْجَبَهُ الْقُرْآنُ، وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ مَنْ صَوَّبَ لِمَالِكٍ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلًا بِالرَّأْيِ لَمْ يُعْرَفُ أَنَّ أَحَدًا قَالَ بِهِ قَبْلَهُمَا ثُمَّ أَنْكَرَ عَلَى مَنْ قَالَ مُتَّبِعًا لِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَلَامِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلًا لَمْ يَأْتِ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ أَنَّهُ قَالَ بِهِ، وَلَا صَحَّ إجْمَاعٌ بِخِلَافِهِ - فَمَا تَرَكَ لِلْبَاطِلِ شَغَبًا؟ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: مَا كَانَ ثُلُثَ الدِّيَةِ فَصَاعِدًا فَعَلَى الْعَاقِلَةِ، وَمَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ فَعَلَى قَوْمِ الْجَانِي خَاصَّةً - فَوَجَدْنَاهُ لَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ - فَسَقَطَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>