للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دَمُهُ، وَيَمْضِي سَالِمًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَسْرِقُ دِينَارًا، أَوْ يَزْنِي بِأَمَةٍ سَوْدَاءَ فَيَعْفُو عَنْهُ رَبُّ الدِّينَارِ، وَسَيِّدُ السَّوْدَاءِ، فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْقَطْعُ، وَلَا الْقَتْلُ بِالْحِجَارَةِ - إنْ كَانَ مُحْصَنًا - وَأَيْنَ هَذَا وَالدِّينَارُ مِنْ قَتْلِ النَّفْسِ الْمُحَرَّمَةِ؟ وَوَجَدْنَاكُمْ تَقُولُونَ: إنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَلَا تُؤَدِّيهَا عَنْ نَفْسِهَا، بَلْ يُؤَدِّيهَا عَنْهَا غَيْرُهَا - وَهُوَ زَوْجُهَا.

وَيَقُولُ الْحَنَفِيُّونَ: الْأُضْحِيَّةُ فَرْضٌ عَلَى الْمَرْأَةِ فَلَا تُؤَدِّيهَا هِيَ، لَكِنْ يُؤَدِّيهَا عَنْهَا زَوْجُهَا، فَإِذَا قُلْتُمْ هَذَا حَيْثُ لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَأَنْتُمْ أَهْلُ آرَاءٍ وَقِيَاسٍ فِي الدِّينِ؟ فَنَحْنُ أَوْلَى بِأَنْ نَقُولَ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ احْتِجَاجَكُمْ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ - فَذَكَرَ - الصَّبِيَّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَالْمَجْنُونَ حَتَّى يُفِيقَ» .

قُلْنَا: نَحْنُ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - قَائِلُونَ بِهِ، وَمُسْقِطُونَ عَنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ كُلَّ حُكْمٍ وَرَدَ بِخِطَابِ أَهْلِ ذَلِكَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ، فَهُمَا خَارِجَانِ عَمَّنْ خُوطِبَ بِذَلِكَ الْحُكْمِ، وَنَحْنُ نُلْزِمُهُمَا كُلَّ غَرَامَةٍ فِي مَالٍ جَاءَ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ الْمَالِ بِغَيْرِ خِطَابٍ لِأَهْلِهِ، وَالْحُكْمُ هَاهُنَا جَاءَ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ بِأَنَّ الدِّيَةَ وَالْغُرَّةَ عَلَى عَصَبَةِ الْقَاتِلَةِ وَلَمْ يُخَاطِبْ الْعَصَبَةَ، وَلَا الْتَفَتَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَى اعْتِرَاضِ مَنْ اعْتَرَضَ مِنْهُمْ، بَلْ أَنْفَذَ الْحُكْمَ عَلَيْهِمْ، فَنَحْنُ نُنْفِذُ الْحُكْمَ بِإِيجَابِ الدِّيَةِ فِي مَالِ الْعَصَبَةِ وَلَا نُبَالِي صِبْيَانًا كَانُوا أَوْ مَجَانِينَ أَوْ غُيَّبًا أَوْ حَاضِرِينَ، وَلَمْ نُوجِبْ ذَلِكَ فِيمَا جَنَاهُ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ بِنَصِّ الْقُرْآنِ فِيمَا قَتَلَهُ مُخَاطَبُ الْكَفَّارَةِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ صِفَاتِ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثُمَّ نَظَرْنَا فِي مِقْدَارِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ إنْسَانٍ مِنْ الْعَصَبَةِ؟ فَوَجَدْنَا قَوْمًا قَالُوا: لَا يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ إلَّا أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ أَوْ ثَلَاثَةٌ.

وَقَوْمًا قَالُوا: يُؤْخَذُ مِنْ الْغَنِيِّ نِصْفُ دِينَارٍ، وَمِنْ الْمُقِلِّ رُبُعُ دِينَارٍ - فَكَانَتْ هَذِهِ حُدُودًا لَمْ يَأْتِ بِهَا حُكْمٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا مِنْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَجَبَ أَنْ لَا يُلْتَفَتَ إلَيْهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>