للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَمَّا إذَا رَأَى الْعَادِلُ أَبَاهُ الْبَاغِيَ، أَوْ جَدَّهُ، يَقْصِدُ إلَى مُسْلِمٍ يُرِيدُ قَتْلَهُ، أَوْ ظُلْمَهُ، فَفَرْضٌ عَلَى الِابْنِ حِينَئِذٍ أَنْ لَا يَشْتَغِلَ بِغَيْرِهِ عَنْهُ، وَفَرْضٌ عَلَيْهِ دَفْعُهُ عَنْ الْمُسْلِمِ - بِأَيِّ وَجْهٍ أَمْكَنَهُ - وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ قَتْلُ الْأَبِ، وَالْجَدِّ، وَالْأُمِّ.

بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ نا شُعْبَةُ عَنْ الْأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ سُوَيْد بْنِ مُقَرِّنٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ قَالَ: «أَمَرَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ - فَذَكَرَ - عِيَادَةَ الْمَرَضِ، وَاتِّبَاعَ الْجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتَ الْعَاطِسِ، وَرَدَّ السَّلَامِ، وَنَصْرَ الْمَظْلُومِ، وَإِجَابَةَ الدَّاعِي، وَإِبْرَارَ الْمُقْسِمِ» وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اُنْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: تَمْنَعُهُ، تَأْخُذُ فَوْقَ يَدِهِ» وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ» فَهَذَا أَمْرٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا يُسْلِمَ الْمَرْءُ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ لِظُلْمِ ظَالِمٍ، وَأَنْ يَأْخُذَ فَوْقَ يَدِ كُلِّ ظَالِمٍ، وَأَنْ يَنْصُرَ كُلَّ مَظْلُومٍ، فَإِذَا رَأَى الْمُسْلِمُ أَبَاهُ الْبَاغِيَ، أَوْ ذَا رَحِمِهِ - كَذَلِكَ - يُرِيدُ ظُلْمَ مُسْلِمٍ، أَوْ ذِمِّيٍّ، فَفَرْضٌ عَلَيْهِ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ، بِكُلِّ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى مَنْعِهِ إلَّا بِهِ مِنْ قِتَالٍ أَوْ قَتْلٍ، فَمَا دُونَ ذَلِكَ عَلَى عُمُومِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَإِنَّمَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الْإِحْسَانَ إلَى الْأَبَوَيْنِ، وَأَنْ لَا يُنْهَرَا، وَأَنْ يُخْفَضَ لَهُمَا جَنَاحُ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ، فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مَعْصِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ.

وَهَكَذَا نَقُولُ: أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ لَهُ أَبٌ كَافِرٌ أَوْ أُمٌّ كَافِرَةٌ، أَنْ يُهْدِيَهُمَا إلَى طَرِيقِ الْكَنِيسَةِ، وَلَا أَنْ يَحْمِلَهُمَا إلَيْهَا، وَلَا أَنْ يَأْخُذَ لَهُمَا قُرْبَانًا، وَلَا أَنْ يَسْعَى لَهُمَا فِي خَمْرٍ لِشَرِيعَتِهِمَا الْفَاسِدَةِ، وَلَا أَنْ يُعِينَهُمَا عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ تَعَالَى مِنْ زِنًى، أَوْ سَرِقَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَأَنْ لَا يَدَعَهُ يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ - وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى مَنْعِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: ٢] وَهَذِهِ وَصِيَّةٌ جَامِعَةٌ لِكُلِّ خَيْرٍ فِي الْعَالَمِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>