للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي شَيْءٍ مِنْهَا، لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ خُثَيْمٍ ضَعِيفٌ، وَبَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَحَدِيثَ عِرَاكٍ مُرْسَلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ فِيهِ الدَّلِيلُ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ الْحَبْسِ لِاسْتِغْفَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذَلِكَ.

فَإِنْ ذَكَرُوا حَدِيثَ «الْمَرْأَةِ الْغَامِدِيَّةِ الَّتِي قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَهِّرْنِي، قَالَ: وَيْحَكِ، ارْجِعِي فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إلَيْهِ، قَالَتْ: لَعَلَّك تَرُدُّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَتْ: إنِّي حُبْلَى مِنْ الزِّنَى، قَالَ: أَثَيِّبٌ أَنْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَلَا نَرْجُمَنَّكِ حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِكِ، قَالَ: فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ، فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: قَدْ وَضَعَتْ الْغَامِدِيَّةِ قَالَ: إذًا لَا نَرْجُمُهَا وَنَدَعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: إلَيَّ رَضَاعُهُ، فَرَجَمَهَا» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْجِنْهَا وَلَا أَمَرَ بِذَلِكَ، لَكِنْ فِيهِ: أَنَّ الْأَنْصَارِيَّ تَوَلَّى أَمْرَهَا وَحِيَاطَتَهَا فَقَطْ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا} [النساء: ١٥] فَإِنَّ هَذَا حُكْمٌ مَنْسُوخٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ.

قَالَ عَلِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِذْ لَمْ يَبْقَ لِمَنْ رَأَى السِّجْنَ حُجَّةٌ، فَالْوَاجِبُ طَلَبُ الْبُرْهَانِ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ الْآخَرِ، فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا مَنْ قَالَ بِسَجْنِهِ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَّهَمًا لَمْ يَصِحَّ قَبْلَهُ شَيْءٌ، أَوْ يَكُونَ قَدْ صَحَّ قَبْلَهُ شَيْءٌ مِنْ الشَّرِّ، فَإِنْ كَانَ مُتَّهَمًا بِقَتْلٍ، أَوْ زِنًا، أَوْ سَرِقَةٍ، أَوْ شُرْبٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ: فَلَا يَحِلُّ سَجْنُهُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: ٣٦] .

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» وَقَدْ كَانَ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُتَّهَمُونَ بِالْكُفْرِ - وَهُمْ الْمُنَافِقُونَ - فَمَا حَبَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ أَحَدًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>