للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِتَمَامِ أَرْبَعِ مَرَّاتٍ، وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: إنَّمَا أَعْرَضَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ بِهِ جُنُونًا، أَوْ شَرِبَ خَمْرًا - وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْأُمَّةِ: أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ الْإِقْرَارُ بِالْحَدِّ جَازَ لَهُ أَنْ يَسْتُرَهُ وَلَا يُقِيمَهُ - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ، وَسَنَسْتَقْصِي الْكَلَامَ فِي تَصْحِيحِ أَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ بَعْدَ هَذَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمْ يَبْقَ لِهَذِهِ الطَّائِفَةِ خَبَرٌ يَتَعَلَّقُونَ بِهِ أَصْلًا؟ ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا لَا يَصِحُّ مِنْهُ شَيْءٌ: أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي قَوْلِهِمَا لِلْأَسْلَمِيِّ: اسْتَتِرْ بِسَتْرِ اللَّهِ، فَلَا تَصِحُّ، لِأَنَّهَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مُرْسَلَةٌ.

وَكَذَلِكَ حَدِيثُ إبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ فَهُوَ مُرْسَلٌ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى، فَوَجَدْنَا الرِّوَايَةَ عَنْ الصَّحَابَةِ أَنَّ الطَّائِفَةَ مِنْهُمْ قَالَتْ: مَا تَوْبَةٌ أَفْضَلَ مِنْ تَوْبَةِ مَاعِزٍ: جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ وَقَالَ: اُقْتُلْنِي بِالْحِجَارَةِ.

فَصَحَّ هَذَا مِنْ قَوْلِ طَائِفَةٍ عَظِيمَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بَلْ لَوْ قُلْنَا: إنَّهُ لَا مُخَالِفَ لِهَذِهِ الطَّائِفَةِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَصَدَقْنَا، لِأَنَّ الطَّائِفَةَ الْأُخْرَى لَمْ تُخَالِفْهَا، وَإِنَّمَا قَالَتْ: لَقَدْ هَلَكَ مَاعِزٌ، لَقَدْ أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ - فَإِنَّمَا أَنْكَرُوا أَمْرَ الْخَطِيئَةِ لَا أَمْرَ الِاعْتِرَافِ، فَوَجَدْنَا تَفْضِيلَ الِاعْتِرَافِ لَمْ يَصِحَّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - خِلَافُهُ.

ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ الْآثَارِ: فَوَجَدْنَاهَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَالْبَيَانِ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَمِدَ تَوْبَةَ مَاعِزٍ، وَالْغَامِدِيَّةِ، وَذَكَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَنَّ تَوْبَةَ مَاعِزٍ لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ - وَأَنَّ الْغَامِدِيَّةَ لَوْ تَابَ تَوْبَتَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ - وَأَنَّ الْجُهَيْنِيَّةَ لَوْ قُسِمَتْ تَوْبَتُهَا بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ، ثُمَّ رَفَعَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْإِشْكَالَ جُمْلَةً، فَقَالَ: إنَّهَا لَمْ تَجِدْ أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لِلَّهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>