للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّهُ ظُلْمٌ لِلْمُسْلِمِ، أَوْ سَيِّدِهَا، وَظُلْمٌ لِلذِّمِّيِّ كَذَلِكَ، وَلَا يَقَرُّونَ عَلَى ظُلْمٍ

وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَقَدْ خَصَّصْتُمْ الْآيَةَ بِلَا دَلِيلٍ وَتَرَكْتُمْ ظَاهِرَهَا بِلَا حُجَّةٍ

فَإِنْ شَغَبُوا بِقَوْلِ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي ذَلِكَ؟ قُلْنَا لَهُمْ: لَا حُجَّةَ لَكُمْ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ عَلِيٍّ فِي ذَلِكَ لَا تَصِحُّ، لِأَنَّهَا عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ - ثُمَّ عَنْ قَابُوسِ بْنِ الْمُخَارِقِ - وَهُوَ مَجْهُولٌ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَبْعَدُ، لِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُمْ قَدْ خَالَفُوا ابْنَ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ، لِأَنَّ فِيهَا: لَا حَدَّ عَلَى عَبْدٍ، وَهُمْ لَا يَرَوْنَ هَذَا، وَلَا حَدَّ عَلَى ذِمِّيٍّ - وَهُمْ يَرَوْنَ الْحَدَّ عَلَيْهِ فِي الْقَذْفِ وَالسَّرِقَةِ

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِذْ قَدْ تَعَارَضَتْ الرِّوَايَتَانِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ؟ فَقَدْ بَطَلَ التَّعَلُّقُ بِإِحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى، وَوَجَبَ رَدُّهُمَا إلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلِأَيِّ الْقَوْلَيْنِ شَهِدَ الْقُرْآنُ، وَالسُّنَّةُ فَهُوَ الْحَقُّ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ - فَقَدْ بَطَلَ كُلُّ قَوْلٍ شَغَبَ بِهِ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ حُجَّةٌ أَصْلًا

أَمَّا الْآيَةُ فَإِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، وَلَوْ صَحَّ أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ لَمَا كَانَ لِمَنْ أَسْقَطَ بِهَا إقَامَةَ الْحُدُودِ عَلَيْهِمْ مُتَعَلِّقٌ، لِأَنَّهُ إنَّمَا فِيهَا التَّخْيِيرَ فِي الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ، لَا فِي الْحُكْمِ عَلَيْهِمْ جُمْلَةً، وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ حُكْمٌ عَلَيْهِمْ لَا حُكْمٌ بَيْنَهُمْ، فَلَيْسَ لِلْحُدُودِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَدْخَلٌ أَصْلًا، بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ - فَسَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهَا جُمْلَةً

وَأَمَّا عُهُودُ مَنْ عَاهَدَهُمْ عَلَى الْحُكْمِ بِأَحْكَامِهِمْ، فَلَيْسَ ذَلِكَ عَهْدُ اللَّهِ تَعَالَى، بَلْ هُوَ عَهْدُ إبْلِيسَ وَعَهْدُ الْبَاطِلِ، وَعَهْدُ الضَّلَالِ، وَلَا يَعْرِفُ الْمُسْلِمُونَ عُقُودًا وَلَا عُهُودًا إلَّا مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، فَهِيَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْوَفَاءِ بِهَا، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ»

<<  <  ج: ص:  >  >>