للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَحَدُّ الزِّنَى وَاجِبٌ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَأْجَرَةِ، بَلْ جُرْمُهُمَا أَعْظَمُ مِنْ جُرْمِ الزَّانِي وَالزَّانِيَةِ بِغَيْرِ اسْتِئْجَارٍ، لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ وَالْمُسْتَأْجَرَةَ زَنَيَا كَمَا زَنَى غَيْرُ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَا فَرْقَ، وَزَادَ الْمُسْتَأْجِرُ وَالْمُسْتَأْجَرَةُ عَلَى سَائِرِ الزِّنَى حَرَامًا آخَرَ - وَهُوَ أَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ.

وَأَمَّا الْمُخْدِمَةُ - فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ صَاحِبِ مَالِكٍ: أَنَّ الْمُخْدِمَةَ سِنِينَ كَثِيرَةً لَا حَدَّ عَلَى الْمُخْدَمِ إذَا وَطِئَهَا - وَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ وَمَعَ فَسَادِهِ سَاقِطٌ: أَمَّا فَسَادُهُ - فَإِسْقَاطُهُ الْحَدَّ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الزِّنَى.

وَأَمَّا سُقُوطُهُ - فَتَفْرِيقُهُ بَيْنَ الْمُخْدِمَةِ مُدَّةً طَوِيلَةً، وَالْمُخْدِمَةِ مُدَّةً قَصِيرَةً، وَيُكَلَّفُ تَحْدِيدَ تِلْكَ الْمُدَّةِ الْمُسْقِطَةِ لِلْحَدِّ الَّتِي يَسْقُطُ فِيهَا الْحَدُّ، فَإِنْ حُدَّ مُدَّةً كَانَ مُتَزَيِّدًا مِنْ الْقَوْلِ بِالْبَاطِلِ بِلَا بُرْهَانٍ، وَإِنْ لَمْ يُحَدَّ شَيْئًا كَانَ مُحَرَّمًا مُوجِبًا شَارِعًا مَا لَا يَدْرِي فِيمَا لَا يَدْرِي - وَهَذِهِ تَخَالِيطُ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهَا.

وَالْحَدُّ كَامِلٌ وَاجِبٌ عَلَى الْمُخْدَمِ وَالْمُخْدِمَةِ، وَلَوْ أَخْدَمَهَا عُمْرَ نُوحٍ فِي قَوْمِهِ - لِأَنَّهُ زَنَى وَعَهَرَ مَنْ لَيْسَتْ لَهُ فِرَاشًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَة مَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا]

٢٢١٩ - مَسَائِلُ: مِنْ نَحْوِ هَذَا:

قَالَ عَلِيٌّ: مَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ بِذَلِكَ عَنْهُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَوْجَبَهُ عَلَيْهِ فَلَا يُسْقِطُهُ زَوَاجُهُ إيَّاهَا.

وَكَذَلِكَ إذَا زَنَى بِأَمَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا - وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي كِلْتَا الْمَسْأَلَتَيْنِ؟

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذِهِ مِنْ تِلْكَ الطَّوَامِّ؟ فَإِنْ قَالُوا: كَيْفَ نَحُدُّهُ فِي وَطْءِ امْرَأَتِهِ وَأَمَتِهِ؟ قُلْنَا لَهُمْ: لَمْ نَحُدَّهُ فِي وَطْئِهِ لَهُمَا - وَهُمَا امْرَأَتُهُ وَأَمَتُهُ - وَإِنَّمَا نَحُدُّهُ فِي الْوَطْءِ الَّذِي كَانَ مِنْهُ لَهُمَا - وَهُمَا لَيْسَتَا امْرَأَتَهُ وَلَا أَمَتَهُ ثُمَّ يَلْزَمُهُمْ عَلَى هَذَا الِاعْتِلَالِ الْفَاسِدِ: أَنَّ مَنْ قَذَفَ امْرَأَةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَنْ يُلَاعَنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>