للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَلَدَهُ الْحَدَّ، إنَّمَا فِيهِ: أَنَّهُ جَلَدَهُ، فَلَا يَحِلُّ أَنْ يُرَادَ فِيهِ: أَنَّهُ جَلَدَهُ الْحَدَّ، وَنَحْنُ لَا نَأْبَى مِنْ ذَلِكَ مَنْ سَبَّ مُسْلِمًا، لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ يُغَيَّرُ بِالْيَدِ، فَبَطَلَ أَنْ تَكُونَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، بَلْ هُوَ عَلَيْهِمْ.

وَقَدْ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى - وَهُوَ أَحْفَظُ مِنْ سَحْنُونَ، وَأَعْرَفُ بِالْحَدِيثِ مِنْهُ، فَلَمْ يُبَلِّغْهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

كَمَا نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ غَيْلَانَ التُّجِيبِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: إنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - جَلَدَ رَجُلًا أَنْ دَعَا آخَرَ: يَا ابْنَ الْمَجْنُونِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا أَيْضًا كَاَلَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ جَلَدَهُ الْحَدَّ، وَالْحُدُودُ لَا تُقَامُ بِالظُّنُونِ الْكَاذِبَةِ، وَالزِّيَادَةُ فِي الْحَدِيثِ كَذِبٌ، وَتَبْلِيغُ الْحَدِّ الْمَذْكُورِ إلَى ثَمَانِينَ كَذِبٌ بِلَا شَكٍّ مِمَّنْ قَطَعَ بِذَلِكَ.

فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَوْجَبَ فِي الْقَذْفِ بِالزِّنَى الْحَدَّ، وَجَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ، وَصَحَّ بِهِ الْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ، فَكَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ.

وَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَالَ «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا} [البقرة: ٢٢٩] وَقَالَ تَعَالَى {وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: ١٩٠] فَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْعُدْوَانَ، وَضَرْبَ الْأَبْشَارِ بِغَيْرِ بُرْهَانٍ مِنْ الْعُدْوَانِ، وَحَرَّمَ تَعَالَى أَنْ تُتَعَدَّى حُدُودُهُ، وَإِثْبَاتُ حَدٍّ بِغَيْرِ بُرْهَانٍ تَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>