للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدِهِمَا ضَرُورَةً، فَلَوْ كَانَ صَادِقًا لَمَا صَحَّ عَلَيْهِ حَدٌّ أَصْلًا - فَصَحَّ يَقِينًا، إذْ قَدْ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الصَّادِقِ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى الْكَذِبِ، إذْ لَيْسَ إلَّا صَادِقًا أَوْ كَاذِبًا، وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

[مَسْأَلَة كَافِرٌ قَذَفَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا]

٢٢٣٤ - مَسْأَلَةٌ: كَافِرٌ قَذَفَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ ذَكَرْنَا وُجُوبَ الْحَدِّ عَلَى مَنْ قَذَفَ كَافِرًا فَإِذَا قَذَفَ الْكَافِرُ مُسْلِمًا، قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا سَلَفَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وُجُوبَ الْحُكْمِ عَلَى الْكُفَّارِ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: ٤٩] .

وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: ٣٩] .

وَقَدْ ذَكَرْنَا وُجُوبَ قَتْلِ مَنْ سَبَّ مُسْلِمًا مِنْ الْكُفَّارِ لِنَقْضِهِمْ الْعَهْدَ وَفَسْخِهِمْ الذِّمَّةَ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩] . فَافْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى إصْغَارَهُمْ، فَإِذَا خَرَجُوا عَنْ الصَّغَارِ فَلَا ذِمَّةَ لَهُمْ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُمْ ذِمَّةٌ فَقَتْلُهُمْ وَسَبْيُهُمْ، وَأَمْوَالُهُمْ: حَلَالٌ، وَإِذَا سَبُّوا مُسْلِمًا فَقَدْ خَرَجُوا عَنْ الصَّغَارِ، وَأَصْغَرُوا الْمُسْلِمَ، فَقَدْ بَرِئَتْ الذِّمَّةُ مِمَّنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَلَا ذِمَّةَ لَهُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا إِسْحَاقُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: سَأَلْت الشَّعْبِيَّ عَنْ يَهُودِيَّةٍ افْتَرَتْ عَلَى مُسْلِمٍ؟ قَالَ: تُضْرَبُ الْحَدَّ.

وَبِهِ - إلَى وَكِيعٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: شَهِدْت الشَّعْبِيَّ ضَرَبَ نَصْرَانِيًّا قَذَفَ مُسْلِمًا، فَجَلَدَهُ ثَمَانِينَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا الْحَدُّ - فَوَاجِبٌ بِلَا شَكٍّ، لِأَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ قَاذِفٍ، وَالْقَتْلُ وَاجِبٌ كَمَا ذَكَرْنَا لِنَقْضِ الذِّمَّةِ سَوَاءٌ كَانَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً لَا بُدَّ مِنْ قَتْلِهِمَا، إلَّا أَنْ يُسْلِمَا فَيُتْرَكَا عَنْ الْقَتْلِ لَا عَنْ الْحَدِّ.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: هَلَّا أَوْقَفْتُمْ الْمَرْأَةَ وَلَمْ تَقْتُلُوهَا، لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ؟ وَلِأَنَّهَا إذَا نَقَضَتْ ذِمَّتَهَا بِسَبِّ الْمُسْلِمِ فَقَدْ عَادَتْ حَرْبِيَّةً، وَإِذَا عَادَتْ حَرْبِيَّةً فَلَا ذِمَّةَ لَهَا فَلَيْسَ عَلَيْهَا إلَّا الِاسْتِرْقَاقُ؟

<<  <  ج: ص:  >  >>