للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَحِيحٌ، وَأَنْكَرُ لِلْمُنْكَرِ دُونَ تَصْرِيحٍ، لَكِنْ بِظَنٍّ لَا يُحْكَمُ بِهِ وَلَا يُقْطَعُ بِهِ - وَكَذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: تِلْكَ امْرَأَةٌ كَانَتْ تُظْهِرُ السُّوءَ فِي الْإِسْلَامِ، تَعْرِيضٌ صَحِيحٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «اخْتَصَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فِي ابْن أَمَةِ زَمْعَةَ فَقَالَ سَعْدٌ: أَوْصَانِي أَخِي عُتْبَةُ إذَا قَدِمْتُ مَكَّةَ فَأَنْظُرُ ابْنَ أَمَةِ زَمْعَةَ فَهُوَ ابْنِي، وَقَالَ عَبْدٌ: هُوَ ابْنُ أَمَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي؟ فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ» فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَشَارَ إشَارَةً لَمْ يَقْطَعْ بِهَا، بَلْ خَالَفَ وَظَنَّ أَنَّهُ مِنْ مَاءِ عُتْبَةَ، وَلَمْ يَرَ حَدًّا عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، إذْ نَسَبَ وَلَدَ زَمْعَةَ إلَى أَخِيهِ. فَهَذِهِ آثَارٌ رَوَاهَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - جَمَاعَةٌ عَائِشَةُ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَأَنَسٌ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، فَصَارَتْ فِي حَدِّ التَّوَاتُرِ مُوجِبَةً لِلْعِلْمِ، مُبْطِلَةً قَوْلَ مَنْ رَأَى: أَنَّ فِي التَّعْرِيضِ حَدًّا، بَلْ صَحَّ بِهَا: أَنَّ مَنْ عَرَّضَ لِغَيْرِ سَبَبٍ لَكِنْ لِشَكْوًى عَلَى حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ، أَوْ تَوَرُّعًا عَلَى حَدِيثِ ابْنِ وَلِيدَةَ - زَمْعَةَ - أَوْ إنْكَارًا لِلْمُنْكَرِ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَلَى حَدِيثِ أَنَسٍ، فَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ أَصْلًا، لَا إثْمَ وَلَا كَرَاهِيَةَ وَلَا إنْكَارَ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَلِكَ، وَقِيلَ بِحَضْرَتِهِ فَلَمْ يُنْكِرْهُ. وَأَمَّا طَرِيقُ الْإِجْمَاعِ - فَإِنَّ الْأُمَّةَ كُلَّهَا لَا تَخْتَلِفُ، وَالْمَالِكِيُّونَ فِي جُمْلَتِهِمْ عَلَى أَنَّ مَنْ أَظْهَرَ السُّوءَ مِنْ رَجُلٍ، أَوْ امْرَأَةٍ، كَانْفِرَادِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ، وَدُخُولِ الرَّجُلِ مَنْزِلَ الْمَرْأَةِ تَسَتُّرًا، فَوَاجِبٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إنْكَارُ ذَلِكَ، وَرَفْعُهُ إلَى الْإِمَامِ، وَهَذَا بِيَقِينٍ تَعْرِيضٌ، وَإِلَّا فَأَيُّ شَيْءٍ يُنْكِرُونَ مِنْ ذَلِكَ. وَالْعَجَبُ كُلَّ الْعَجَبِ أَنَّهُمْ يَرَوْنَ الْحَدَّ فِي التَّعْرِيضِ وَهُمْ يُصَرِّحُونَ بِالْقَذْفِ وَلَا يَرَوْنَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، وَذَلِكَ إقَامَتُهُمْ حَدَّ الزِّنَى عَلَى الْحُبْلَى وَمَا ثَبَتَ قَطُّ عَلَيْهَا زِنًا، فَهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يُسْقِطُونَ الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ وَهَذَانِ مَكَانَانِ أَقَامُوا الْحَدَّ بِالشُّبُهَاتِ فِيهِمَا، وَهُمَا: حَدُّ الْقَذْفِ عَلَى مَنْ عَرَّضَ وَلَمْ يُصَرِّحْ - وَحَدُّ الزِّنَا عَلَى مَنْ حَمَلَتْ وَلَا زَوْجَ لَهَا وَلَا سَيِّدَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؟

<<  <  ج: ص:  >  >>